عبد معروف
السياسة عمل واع لأنها تهدف إلى تحقيق مصالح الشعب والوطن، وبالتالي فالسياسة هي عمل هادف، والوعي أس فيه، ينقل النشاط الوطني العام من العفوية إلى التنظيم، لهذا باتت السياسة تدرس ك”علم” في المعاهد والجامعات.
وإذا كانت السياسة علم، فإنها تحتاج للعقل، فلا عمل سياسي ناجح بدون عقل، ما يجعل الانتماء مبني على الوعي، إنتماء عقلي معرفي، ذلك لأن الانتماء بناء على الشعارات والأغاني والأهازيج يبقي السياسة عملا عفويا وسطحيا، يسهل اختراقها باللصوص والجواسيس والفاسدين و”ماسحي الجوخ” والمرتزقة، لأن الانتماء كان بناء على التزلف والمجاملات.
والسياسة تحتاج إلى الفكر، لأن السياسة بألصل فكر، ولكل يكون الانشغال بالسياسة صحيحا وهادفا، يجب أن يتوفر الفكر، وبدون الفكر تكون السياسة عماء وعفوية وتخبيص، وشعارات عمومية دون معنى وتحرك عشوائي بالمظاهرات والاغاني والشعارات دون تفكير وبحث وتدقيق، وبالتالي تكون السياسة تعبير عن الحركة الانفعالية دون تدخل العقل.
من هنا يمكن القول أن السياسة تحتاج إلى عقل وإلى وعي، العقل الذي يبذل الجهد المضني بالفكر ولا يتوقف عند الشعارات والاهازيج والتحركات العفوية، ذلك لأن أبرز الأزمات هي غياب العقل الذي يفكر وينتقد، ففي السياسة دور كبير للعقل، للعقل وليس للخطابات والاهازيج والشعارات الرنانة، فمعرفة حركة التاريخ وتطورات الأحداث تتطلب العقل، الوعي، الفكر.
حين نتحدث عن فصيل سياسي، من الطبيعي أن يكون الحديث عن عمل سياسي وعن فصيل من الضروري أن يكون لديه وعيه وفهمه للواقع، وهنا تكون السياسة جزء من فكر ومن وعي، والعمل السياسي هنا هو نشاط لتحقيق أهداف وطنية محدد، بالتالي ليس من عمل سياسي دون عقل سياسي دون وعي سياسي دون فكر.
كل هذه المسائل هي تقنية الممارسة في العمل السياسي وهي غالبا ما تعتبر أنها السياسة والعمل السياسي لكنها في الواقع هي التقنيات التي تسمح بتحويل الرؤية والأهداف إلى فعل واقعي وإلى نشاط ثوري يفضي إلى التغيير.
كان لابد من كل هذه المقدمة وإسقاطها على واقع قيادة وأعضاء الفصائل الفلسطينية في لبنان، ذلك لأن لهذه الفصائل أهداف سياسية انطلقت بهدف تحرير فلسطين ودحر الاحتلال واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما فيها الحقوق الانسانية والوطنية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتمكنت الفصائل منذ انطلاقتها بقيادة الشعب الفلسطيني في ميادين النضال، وقدمت التضحيات الجسام، وشكلت ظاهرة ليس في المنطقة العربية فحسب بل ظاهرة دولية، وتحولت في السنوات الأولى لانطلاقتها إلى قبلة للثوار والأحرار العرب والعالم.
بالتالي كان ومازال مشروع الفصائل الفلسطينية مشروعا سياسيا وطنيا هادفا، أي أن أهدفها سياسية، وبرامجها سياسية وقيادتها وعناصرها تعمل بالسياسة، لذلك نرى القيادات الفلسطينية منذ انطلاقة الثورة عام 1965 هي قيادات سياسية، تعمل بالسياسة، وكانت هذه القيادة تخضع للتثقيف والاجتماع والعمل السياسي من أجل تحقيق أهداف سياسية.
الفصائل الفلسطينية في لبنان خلال هذه المرحلة هي فصائل سياسية وليست جمعيات خيرية أو نواد رياضية، أي أنها تعمل بالسياسة، أهداف سياسية ونشاطات سياسية وعلاقات سياسية وشعارات وخطابات سياسية، وهذا يعني أن قيادة الفصائل وأعضاء الفصائل تعمل بالسياسة من اجل تحقيق أهدافها، ومهما كانت هذه الأهداف التي تناضل من أجل تحقيقها، فهي أهداف سياسية، ومن أجل تحقيقها تتطلب عقلا سياسيا، وعيا سياسيا وفكرا سياسيا وقيادات وعناصر تمتلك افقا سياسيا وعيا سياسيا وفكرا سياسيا، هذا المفروض من أجل تحقيق أية أهداف تضعها هذه الفصائل، فالشعارات والخطابات والزيارات و”النطنطات” لا تكفي لتحقيق أي هدف وطني أو إنساني للشعب الفلسطيني في لبنان والدليل لكل ذلك أن كل الشعارات والخطابات والاعتصامات والأهازيج وحدها لم تحقق الأهداف، ولم تؤدي إلى عودة اللاجئين إلى وطنهم، ولم تؤدي إلى نيل حقوقهم الانسانية والاجتماعية، بل ازدادت أوضاعهم مأساوية وقساوة وضياع.