النشرة
في ظل المخاطر المتزايدة التي تتهدد القضية الفلسطينية، وتصاعد التحديات السياسية والأمنية والمعيشية التي تواجه اللاجئين في لبنان، لفت الانتباه خلال الأسابيع الماضية، حراك سياسي تقوده الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في محاولة جدية لتوحيد الصف الفلسطيني وتعزيز العمل المشترك، في مرحلة توصف بأنها من الأكثر حساسية وخطورة.
وكشفت مصادر فلسطينية لـ”النشرة” أنّ هذا الحراك تمثّل بسلسلة لقاءات مكثفة مع قوى وفصائل فلسطينية، إلى جانب لقاءات مع مرجعيات لبنانية رسمية ونيابية وحزبية، من بينها لقاء مع رئيس لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني السفير رامز دمشقية، ولقاء آخر مع رئيس وأعضاء المكتب السياسي في حركة أمل.
وتكتسب هذه اللقاءات أهمية خاصة، ولا سيما الاجتماع الذي ترأسه مسؤول الجبهة في لبنان يوسف أحمد مع المكتب السياسي لحركة أمل، نظرًا لما تمثله ورئيسها نبيه بري من دور تاريخي في إطلاق مبادرات رأب الصدع الفلسطيني-الفلسطيني، وفي تأسيس هيئة العمل الوطني الفلسطيني المشترك قبل سنوات، كإطار جامع أسهم في توحيد العمل الوطني ومعالجة العديد من الملفات المرتبطة بالمخيمات والعلاقة مع الدولة اللبنانية.
ويؤكد قيادي في الجبهة لـ”النشرة” أن هذا الحراك ينطلق من قناعة راسخة بأن توحيد الصف الفلسطيني لم يعد خيارًا سياسيًا، بل بات ضرورة وطنية ملحّة لحماية الوجود الفلسطيني في لبنان، في ظل التطورات المتسارعة على الساحة الفلسطينية، وما يرافقها من ضغوط سياسية وأمنية واقتصادية تضرب المخيمات في عمق استقرارها الاجتماعي والمعيشي.
ويضيف القيادي أن هذه الحاجة إلى الوحدة ازدادت إلحاحًا بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على مخيم عين الحلوة، والذي طال موقفًا للسيارات وملعبًا رياضيًا، في رسالة واضحة اعتبرتها القوى الفلسطينية استهدافًا مباشرًا لقضية اللاجئين وحق العودة، ومحاولة ممنهجة لضرب رمزية المخيمات بوصفها شاهدًا حيًا على النكبة وحاضنةً للنضال الفلسطيني.
وفي موازاة المخاوف الجدية من عدوان إسرائيلي جديد، تتصاعد الضغوط على اللاجئين عبر سياسة تقليص خدمات وكالة الأونروا، ما يضع المخيمات أمام أزمة وجودية غير مسبوقة، ويجعل من توحيد الموقف الفلسطيني ضرورة لمواجهة هذه التحديات برؤية موحدة وخطة عمل مشتركة.
وتستند الجبهة الديمقراطية في تحركها إلى رؤيتها السياسية وعلاقاتها الإيجابية والمتوازنة مع مختلف الأطراف، ما يتيح لها طرح مقاربة جامعة تشكّل قاسمًا مشتركًا بين القوى الفلسطينية، لا سيما في ظل تفاقم الانقسام بعد تأسيس “اللقاء التشاوري الوطني الفلسطيني” الذي يضم قوى بمعظمها خارج إطار منظمة التحرير، وهو ما اعتبرته الجبهة عاملًا إضافيًا لتعميق الانقسام بدل معالجته.
وفي هذا السياق، كشف القيادي أن الجبهة عقدت لقاءات متوالية مع عدد من فصائل منظمة التحرير وقوى التحالف، ولا سيما مع حركتي فتح وحماس، في مسعى لإعادة بناء مناخ الثقة وتفعيل الحوار الداخلي، والعمل على إحياء هيئة العمل الوطني الفلسطيني المشترك وتطوير دورها باعتبارها الإطار الأقدر على صوغ رؤية موحدة، وتنسيق الجهود، وحماية المخيمات، والتصدي للتقليصات المستمرة في خدمات الأونروا.
وأشار إلى أن هذا الحراك يلقى ترحيبًا وتجاوبًا إيجابيين من القوى الفلسطينية واللبنانية، في ظل قناعة متزايدة بأن المرحلة الراهنة تتطلب أعلى درجات الوحدة والتنسيق لحماية الوجود الفلسطيني وتعزيز صمود اللاجئين. كما تبرز أهمية تنظيم العلاقة اللبنانية ـ الفلسطينية على أسس متينة تحفظ المصلحة المشتركة، وتحمي السيادة اللبنانية، وتصون الهوية الوطنية الفلسطينية، وتدعم نضال اللاجئين من أجل حق العودة وحقوقهم الإنسانية والاجتماعية.
وترى أوساط سياسية فلسطينية ولبنانية أن الجبهة الديمقراطية، بوصفها أحد الفصائل الأساسية المعارضة داخل منظمة التحرير، تمتلك اليوم فرصة للعب دور محوري وتوحيدي في ظل حالة التشرذم القائمة، مستفيدة من شبكة علاقاتها المتوازنة وابتعادها عن الاصطفافات الحادة، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن الوحدة الوطنية هي الضمانة الأساسية لصون الحقوق والدفاع عن كرامة اللاجئين.
ويبرز ذلك في موقف الجبهة الرافض للانخراط في “اللقاء التشاوري الوطني” الذي تشكّل مؤخرًا والذي ضم تحالف القوى، والجبهة الشعبية والقوى الإسلامية والتيار الاصلاحي لحركة فتح وأنصار الله، إذ اعتبرت أن الأولوية يجب أن تُعطى لإعادة تفعيل هيئة العمل المشترك بدل استحداث أطر جديدة من شأنها تعميق الانقسام وإرباك المشهد الفلسطيني.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تنجح هذه الجهود في رأب الصدع الفلسطيني الداخلي وفتح مسار جديد يعيد ترميم العلاقات، ويمكّن الفلسطينيين في لبنان من مواجهة مرحلة تُعد من الأخطر والأكثر حساسية؟ ولا سيما في ظل مؤشرات إيجابية تجلّت مؤخرًا في مشاركة قيادة حركة فتح في تشييع شهداء عين الحلوة، وصدور بيان مركزي مشترك عن القوى والفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية لنعي الشهداء والدعوة الموحدة للتشييع.