حمزة البشتاوي
يشكل اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني فرصة ومناسبة، لتذكير العالم بحقيقة المأساة الفلسطينية والظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، نتيجة صدور قرار التقسيم في العام 1947 والذي حولهم إلى مجموعة لاجئين موزعين في شتى بقاع الأرض، وعبر المقاومة والصمود، يؤكد الفلسطينيون حاجتهم إلى تعزيز التضامن الدولي مع كفاحهم الوطني ومقاومتهم باعتبارها حقا مكفولا بالشرائع الدولية من أجل الخلاص من الاحتلال وما يسببه لهم من دمار وقتل وآلام.
والتضامن اليوم ليس موقفاً عاطفياً عابراً، بل التزام أخلاقي إنساني تجاه شعب يصبر كالجبال، وكل ما يريده هو العيش بأمن وحرية وكرامة واستقلال، فوق أرضه التي ما زالت رغم حرب الإبادة والعدوان تشبه الورد الذي ينبت في قلب الجراح والعذاب.
ومع استمرار كيان الاحتلال بانتهاك كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، عبر زرع الموت والمستوطنات وتشديد الحصار يحتاج الفلسطينيون من كل أحرار العالم إلى المزيد من الوقوف مع دفاعهم البطولي عن قضيتهم العادلة وحقوقهم المشروعة، وفي مقدمتها العودة إلى الديار التي هجروا منها قسراً في العام 1948.
وفي العام 1977 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا رقم 40/32 لعام 1977 وتم تخصيص يوم 29/11 من كل عام يوماً عالمياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني ربطاً بتاريخ صدور قرار 181 الذي دعا إلى تقسيم فلسطين وإنشاء دولتين على أرضها، ومنذ صدور هذا القرار وما قبله لم تضطلع الأمم المتحدة بمسؤولياتها، خاصة على صعيد وقف المجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، مع عدم قدرتها على ترجمة مضامين وأهداف اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وعجزها عن إصدار إعلان واضح حول حرية فلسطين وحق تقرير المصير لشعبها وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس ، وتمكين اللاجئين من العودة والعيش بكرامة وحرية على أرضهم التي لا أرض لهم سواها.
يقدر الفلسطينيون في الداخل والشتات الشعوب والحكومات التي تؤيد حقوقهم الوطنية، مع التمني بأن ينتقل هذا التأييد من لغة البيانات إلى تقديم الدعم العملي خاصة لأهالي قطاع غزة الذين يعانون من أهوال حرب الإبادة وتدمير منازلهم ومستشفياتهم ومدارسهم، إضافة لحرمانهم من الاحتياجات الأساسية، مثل المياه والطعام والأدوية في مأساة أصبحت تلامس كل ضمير في هذا العالم، وهذا يستدعي وجود تضامن حقيقي يقاس بأثره لا بشعاراته.
واكتفاء البعض بلغة البيانات الإنشائية دون تضامن جدي وحقيقي، مسألة لا تخدم سوى تعميق حالة الخذلان وتفاقم الأزمة الإنسانية التي يسعى الاحتلال إلى تكريسها عبر عمليات هندسة ديمغرافية وجغرافية ضد الأرض والإنسان في فلسطين.
ويفترض الفلسطينيون أن يكون التضامن معهم عبر إعادة تذكير العالم بعدالة قضيتهم، وليس تضامناً شكلياً وغير مؤثر وسط تراجع التفاعل العربي مع قضيتهم بما ينسجم مع صمت معظم الحكومات التي أصبح تضامنها أقل وأضعف مما تقوم به دول بعيدة ونخب سياسية وثقافية وجامعية وحراكات شبابية تجوب شوارع العالم حاملة اسم وعلم فلسطين من منطلقات حقوقية وإنسانية وأخلاقية، جعلتها تتبنى رواية الشعب الفلسطيني صاحب الحق والأرض بمواجهة الرواية الصهيونية التي تستند إلى الأكاذيب والتضليل والخلل الواضح في موازين القوى، الذي يعطل إقامة الدولة الفلسطينية ويجعل المفاوضات مساراً شكلياً لا نهاية له.
وقد أكدت الحركات الشبابية بأن القضية الفلسطينية لا تزال حية في الوجدان العالمي، وتؤرق العالم كله الذي بات ينظر إلى بطولة الصبر والصمود والكفاح الفلسطيني، باعتبارهم مفتاح الحل وتقرير المصير وإقامة الدولة التي هي حق أصيل قدم من أجله الشعب الفلسطيني الكثير من التضحيات.
وأمام الدعم والتضامن الذي يتلقاه الفلسطينيون من الشعوب الحرة في العالم، تظهر معظم الأنظمة الرسمية العربية المزيد من العجز تجاه قضيتهم وتجاه ما تعرضوا له خلال حرب الإبادة التي وقعت بعد أن قرع الفلسطينيون جدران الخزان ووجهوا ضربة موجعة لكيان الاحتلال ومنظومته الأمنية والعسكرية عبر طرق الجدران وسياج الحصار وصمدوا بشكل أسطوري أذهل العالم الذي بات يعترف ويصرح بأن الكيان يشكل نموذجا للوحشية والإجرام والفاشية والعنصرية.
ويعتبر التضامن العالمي مناسبة لتذكير من لم تكفه السنوات الطويلة السابقة من المراهنة على وعود طاولات المفاوضات وما ألحقه هذا الخيار من خسائر ومخاطر، وإمعان كيان الاحتلال في العدوان وانتهاك كافة المواثيق والقوانين الدولية، وهو يريد من اتفاقيات التطبيع والمفاوضات، استكمال سياسة التطهير العرقي، ليس فقط في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنما أيضاً بحق فلسطينيي الداخل الذين يعيشون تحت وطأة نظام عنصري ما زال يقوم بتسريع عمليات التهويد في منطقتي النقب والجليل، والعمل على ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية مما يجعل حتى ما يسمى بحل الدولتين أمر غير قابل للتطبيق، ولذلك يجب على المستوى السياسي والثقافي العودة للتمسك بالجذور والثوابت والأصول، وكما قال القائد الحكيم جورج حبش : كلنا يريد الدولة الفلسطينية المستقلة اليوم قبل الغد، إلا أن قيام هذه الدولة لا يتم عبر الإعلان والبيان وعبر نشيد وعلم، وإنما يتطلب تغييراً جذرياً في موازين القوى المحلية والدولية يفرض قيام هذه الدولة، وهذا لن يأتي إلا من خلال القوة وليس المفاوضات.
وانطلاقا من هذا الموقف يجب أن يشكل يوم التضامن مناسبة من أجل تعزيز عناصر القوة الفلسطينية وتصويب الأوضاع الداخلية الفلسطينية، وإطلاق طاقة المقاومة بكافة أشكالها بإرادة واحدة موحدة، لأن القضية الفلسطينية كانت وستبقى قائمة وحية ما دام هناك شعب فلسطيني يناضل ويضحي من أجل الحرية والعودة و الاستقلال، مع التأكيد بأن موازين القوى قد تتبدل والتحالفات قد تتغير، لكن إرادة الشعب تبقى العامل الأكثر ثباتاً وعمقاً في الحاضر والتاريخ.