آخر الأخبار

بين الاكتئاب والهجرة.. البطالة تخنق الشباب الفلسطيني في لبنان

2022930232540-gFbnst
ملاك الأموي/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

تتصدر البطالة قائمة التحديات التي تواجه الفلسطينيين في لبنان، ولا سيما فئة الشباب، إذ لم تعد مجرّد أرقام في تقارير وإحصاءات، بل تحوّلت إلى أزمة نفسية واجتماعية عميقة تطال جيلاً كاملاً.

ومع انسداد الأفق وغياب فرص العمل، إضافة إلى القوانين اللبنانية التي تحرم الفلسطيني من مزاولة أكثر من 70 مهنة، أبرزها الطب والهندسة والمحاماة والصيدلة، يجد آلاف الشباب من حملة الشهادات الجامعية أنفسهم أمام واقع قاسٍ لا يشبه أحلامهم ولا سنوات تعبهم، ما يدفع بعضهم إلى الاكتئاب، فيما يغامر آخرون بحياتهم عبر الهجرة غير الشرعية بحثًا عن فرصة للنجاة.

لأنني فلسطيني…  مهندس بلا عمل

ولا تتوقف البطالة عند كونها أزمة اقتصادية فحسب، بل تتحول إلى معاناة شخصية تؤثر على تفاصيل الحياة اليومية. هذا ما عبّر عنه شاب من مخيم عين الحلوة (فضّل عدم ذكر اسمه) وقال في حديثه لـبوابة اللاجئين الفلسطينيين: “تخرجت من الجامعة الأميركية في بيروت قبل خمس سنوات بمنحة كاملة 100%، وكنت من الطلاب المتفوقين، أحمل شهادتي وأحلامي، ولم أتوقع يومًا أن أعجز عن إيجاد فرصة عمل رغم كفاءتي، فقط لأني فلسطيني”.

وأشار إلى أنه بعد عام تقريباً من محاولات التوظيف المتكررة في شركات عدّة في بيروت، بدأ يشعر بضغط نفسي كبير، لا سيما مع تفاقم الانهيار الاقتصادي وارتفاع سعر صرف الدولار، ما دفعه للبحث عن أي عمل لتغطية مصروفه اليومي.

وأضاف: “عملت في أحد مطاعم صيدا لمدة شهرين، لكنني لم أستطع التحمل فتركت العمل”.

من الإحباط إلى الاكتئاب وتفكير بالهجرة غير الشرعية

ومع مرور الوقت، بدأ الإحباط يتسلل إلى حياته كما عبّر لموقعنا قائلاً: “شعرت بالعجز وبثقل النظرة الاجتماعية لشاب متعلم بلا عمل. بدأت أكره الخروج من المنزل، وانقطعت شهيتي للطعام، وصرت أقضي معظم وقتي وحيدًا في غرفتي”، مضيفاً بأسى: “أحسست أن شهادتي تحوّلت من مصدر فخر إلى عبء، وتمنيت لو أنني لم أكن متعلمًا”.

ويتابع الشاب: “بعد ثلاث سنوات، بدأت أفكر بالهجرة غير الشرعية، رغم سماعي بقصص الغرق والاعتقال. بالنسبة لي، كانت المخاطرة أملاً”.

وأوضح أن والدته رفضت الفكرة، إضافة إلى عدم قدرته على تأمين المبلغ المطلوب للهجرة، مشيرًا إلى أن “الفلسطيني في لبنان لا يملك لقمة عيش”، واصفًا ذلك بالظلم الكبير الذي يطال آلاف الشباب، حيث يعمل محاسبون في دكاكين صغيرة، ومهندسون كسائقي تاكسي.

وأضاف أن والدته اقترحت عليه السفر بشكل شرعي، فبدأ بمحاولات التقديم إلى كندا وأميركا، قبل أن يُقبل أخيرًا بعد عدة محاولات كللت بالرفض، ووصف فرحته بأنه شعر ببروز جناحين له ليطير فرحاً، وقال: “سافرت وتغيّرت حياتي بالكامل. الدول الغربية تحترم الإنسان وتقدّر كفاءته بغض النظر عن هويته”.

نسبة البطالة تجاوزت 80%

من جهته، قال الفلسطيني حسن مرعي لـبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنه تخرج عام 2018 باختصاص التجارة والمحاسبة، لكنه لم يتمكن من العمل في مجاله، وأضاف: “لا توجد فرص عمل للفلسطينيين، وأنا بحثت كثيراً عن عمل ولم أجد، لذلك أعمل سائق تاكسي، الرواتب منخفضة ولا تكفي لتغطية المصاريف”، مشيراً إلى تفكيره بالهجرة، إلّا أن صعوبة ذلك دفعه للتكيف مع الواقع.

وتحدث مرعي عن الضغط النفسي الذي يعيشه، مشيرًا إلى أن نسبة البطالة في المخيمات تتراوح بين 80 و90 في المئة، رغم وجود آلاف الخريجين والمهنيين، حيث يعمل مهندسون في قيادة سيارات الأجرة أو بيع الخضار.

وأكد مرعي أن البطالة لم تعد أزمة فردية، بل اجتماعية، تدفع الشباب نحو الهجرة أو الإحباط، موضحًا أن كثيرًا من العائلات استدانت لتعليم أبنائها، ليصطدموا في النهاية بواقع بلا عمل، ما يترك أثرًا سلبيًا على الأسرة والمحيط الاجتماعي بأكمله.

وتابع: “نحن بحاجة إلى فرص عمل حقيقية، ودعم المهن والمهارات التي يمكن أن تفتح باب أمل للشباب، فالمشكلة كبيرة وخطيرة، وهي من أخطر التحديات التي تواجه المخيمات الفلسطينية اليوم”.

من الهندسة إلى التاكسي

بدوره، قال الفلسطيني أحمد أبو عرب إنه تخرج مهندسًا عام 2011، وعمل حتى عام 2021 في شركة بمنطقة جدرا، قبل أن تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى انهيار قطاع العمل، وأضاف في حديثه لموقعنا: “اضطررت لبيع سيارتي والعمل سائق تاكسي، وأحيانًا أؤدي أعمالًا هندسية بسيطة”.

وأشار إلى أن التحول من مهنة الهندسة إلى قيادة التاكسي كان قاسيًا نفسيًا ومهنيًا، مضيفًا أن العمل مرهق جسديًا ويعاني بسببه من آلام في الظهر، وأن طموحاته تقلّصت بفعل الواقع.

وأكد أبو عرب أنه لا يفكر بالسفر بسبب ارتباطه بعائلته، متمنيًا تحسن الأوضاع للعيش بكرامة، مشيرًا إلى أن السبب الأساسي لابتعاده عن العمل في الهندسة هو كونه فلسطينيًا، إضافة إلى ركود سوق العقارات في لبنان.

البطالة والاكتئاب… علاقة خطيرة

وفي هذا الإطار، تحدث موقع “بوابة اللاجئين الفلسطينيين” مع المختص الاجتماعي ثائر الدبدوب، للاطلاع على العلاقة التي تربط بين البطالة والاكتئاب، حيث أكد أن “الشباب الفلسطيني المتعلم بات جالساً في الشوارع والمقاهي، يقضي وقته في تدخين النراجيل، وهذا الواقع هو نتاج الإحباط الذي يجب محاربته ببدائل أخرى، كالأندية الرياضية والمراكز الثقافية”.

وأضاف الدبدوب أن “الاكتئاب الناتج عن عدم إيجاد فرص عمل يدفع الكثير من الشباب إلى التفكير بالهجرة، لذلك لا بد من توفير فرص أكبر للشباب الفلسطيني، وعلى الفصائل الفلسطينية أن تتحمل مسؤولياتها وأن تلتفت إلى أوضاعهم”.

وتابع: “أعرف شباناً فلسطينيين يتلقون علاجاً لدى مختصين نفسيين لأسباب واقعية ومعروفة، وللأسف تفتقر المخيمات إلى المساحات اللازمة لإقامة مراكز ترفيهية أو ثقافية”، مؤكداً أن “الشاب الفلسطيني إذا أُتيحت له فرصة 1% للمشاركة في عمل اجتماعي أو ثقافي، فإن ذلك يخفف من حدة الإحباط”، لافتاً إلى أنه “يوجد في المخيمات ما يقارب 100 مؤسسة، ولو قامت هذه المؤسسات بفتح المجال أمام الشباب للعمل والمشاركة، لما وصلوا إلى هذا المستوى”.

وفي نهاية حديثه، قال: أحلامنا كفلسطينيين كبيرة، فنحن شعب عرف بالعلم والثقافة، لكننا اليوم نواجه مشاكل عديدة، أبرزها تراجع مستوى التعليم في مدارس “أونروا” نتيجة التقليصات، موجهاً رسالة إلى الشباب بعدم الاستسلام للإحباط، والمقاومة، “فالعيش في المخيم نقطة انطلاق للعودة إلى فلسطين، وكل مخيم هو معسكر لحق العودة، نتعلم فيه الأخلاق، وحب العائلة، والمدرسة، ومحبة الناس، وأن نؤمن بأننا بشر لنا قيمة وكرامة”.

وفي الختام، تبقى قصص هؤلاء الشبان نموذجًا لمعاناة شريحة واسعة من الشباب الفلسطيني في لبنان، المحاصرين بالبطالة واليأس، حيث لا يهدد هذا الواقع مستقبلهم الفردي فحسب، بل مستقبل المخيمات بأكملها، عبر هجرة العقول وتفاقم الأزمات النفسية، وما يحتاجه هؤلاء الشباب ليس الشفقة، بل فرص حقيقية تعيد إليهم الأمل، وتؤكد أن التفوق والاجتهاد ما زالا قادرين على فتح أبواب الحياة الكريمة.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة