آخر الأخبار

هل فقد “حزب الله” قوة الردع نهائيًا؟

2023_Hezbollah_drill_in_Aaramta_03

ناجي س. البستاني

منذ بدء سريان تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية في ​27 تشرين الثاني​ الماضي، تتواصل الخروقات والاعتداءات الإسرائيلية على ​لبنان​ بشكل يومي! فهل فقد “​حزب الله​” قدرة الردع التي كان يتباهى بأنّها حمَت لبنان منذ انتهاء حرب تمّوز 2006 حتى الأمس القريب؟.

إنعاشًا للذاكرة، لا بُدّ من التذكير أنّ “حزب الله” كان حاول في ​2 كانون الأوّل​ من العام 2024، أي بعد أيّام قليلة على بدء سريان اتفاق وقف الأعمال العدائية، إعادة تطبيق نظرية “​توازن الرعب​”، بإطلاق بضعة صواريخ على موقع للجيش الإسرائيلي، وبإصدار بيان حمل الرقم واحد، جاء في جزء منه: “(…) بما أنّ المراجعات للجهات المَعنية بوقف هذه الخروقات لم تفلح، نفّذت المقاومة الإسلامية مساء اليوم الإثنين ردًّا دفاعيًّا أوليًّا تحذيريًا مستهدفةً موقع رويسات العلم التابع لجيش العدو الإسرائيلي في تلال ​كفرشوبا​ اللبنانية المحتلة”، وختم بيانه بعبارة “وقد أُعذِرَ مَن أنذَر!”. لكنّ ​الجيش الإسرائيلي​ سارع إلى إسقاط هذه المحاولة في مهدها، من خلال الإغارة على نحو 30 هدفًا في أنحاء مختلفة من لبنان، ممّا أوقع العديد من الشهداء والجرحى، مُرفقًا هذا الردّ الميداني المُبالغ فيه بإصدار بيان تهديد ووعيد. ومنذ العمليّة الأمنيّة المَذكورة، لم يُوجّه “الحزب” أي ضربة لإسرائيل، على الرغم من استمرار الهجمات الإسرائيليّة المعادية بوتيرة يومية.

المُفارقة أنّ الجانب الإسرائيلي على قناعة بأنّ الوقتَ مناسبٌ للمضيّ قُدمًا في هجماته على “الحزب”، لإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر به، ولحمل لبنان الرسمي على تطبيق بند “حصريّة السلاح” بيد الدولة والقوى الأمنيّة الشرعيّة، في ظلّ الضُغوط الأميركيّة الكبيرة المؤيّدة لهذا التوجّه. ومن المتوقّع أن تُحاول إسرائيل إطالة أمد احتلالها في الجنوب، بموازاة مُواصلة عمليّات المراقبة الجويّة، والقيام بغارات دوريّة على ما تُعدّه تهديدًا لها في العديد من المناطق اللبنانية، حيث تُخطط لإرغام لبنان على توقيع اتفاقات جديدة مستقبلًا، وتسعى جاهدة للإيقاع بين الجيش اللبناني و”الحزب”.

في المقابل، بات “حزب الله” في موقع صعب جدًا. فهو فقَد الفرصة على مهاجمة “الجليل” بشكل مفاجئ، وتراجعت قدرته على أسر جنود إسرائيليّين، وحتى على ضرب الوحدات الإسرائيلية في المواقع اللبنانية الحدودية المُحتلة من مسافة قريبة. وعلى الرغم من كونه ما زال قادرًا على مُهاجمة الإسرائيليّين بالصواريخ وبالمحلّقات، فإنّ المُشكلة تكمن في الرد الإسرائيلي المرتقب، حيث من المتوقّع أن تهاجم إسرائيل بقوّة وبشكل واسع في العديد من المناطق اللبنانية في حال تعرّض مواقعها أو قوّاتها لأي ضربة من “الحزب”. وانطلاقًا ممّا سبق، الموانع أمام اللجوء إلى العمل الأمني مجددًا من قبل “الحزب” كثيرة، وأبرزها:

أوّلاً: من غير الوارد قيام “الحزب” بضربة أمنية محدودة، ومن ثم الاضطرار للتغاضي والعضّ على الجرح مُجدّدًا أمام الردود العسكرية الإسرائيليّة المرتقبة، لما لهذا الأمر من أضرار مادية ومعنوية جسيمة إضافية.

ثانيًا: من غير الوارد المبادرة إلى فتح معركة شاملة مجدّدًا في ظلّ الظروف الحالية، وبخاصة قطع خطوط إمداد “الحزب” عبر الأراضي السورية، وعدم إيجاد البدائل لتعويض الدعم اللوجستي المفقود حاليًا.

ثالثًا: من غير الوارد التسبّب بمزيد من الخسائر البشريّة والأضرار المادية، في الوقت الذي لا تزال فيه الردميات مُكدّسة في الشوارع، والمنازل مهدّمة، وأموال التعويضات الرئيسيّة غير متوفّرة بعد.

رابعًا: من غير الوارد تصعيد الصراع السياسي الداخلي المحتدم أساسًا، في ظلّ محاولة السلطة الرسميّة الجديدة فرض نفوذها مستفيدة من غطاء دولي واسع، وفي ظلّ تطلّع جزء كبير جدًا من اللبنانيّين إلى مرحلة هدوء نسبي، تُخرجهم من المآسي الاقتصادية والأمنيّة التي عاشوها خلال السنوات القليلة الماضية.

وانطلاقًا من كل ما سبق، نعم “حزب الله” فقَد قوة الردع، وهو لن يلجأ إلى الخيار العسكري مُجدّدًا إلا مُضطرًا وعلى مضض، في حال واحدة فقط، تتمثّل بقيام إسرائيل من جديد بتهجير السكان من ​الضاحية​ ومن كامل مناطق نفوذ “الحزب”. وبالتالي، في حال حُصول هذا الأمر، سيكون “الحزب” مَدفوعًا إلى القتال الشامل انطلاقًا من مبدأ أنه لم يعد يملك ما يخسره! أمّا في الوقت الراهن، فإنّ سقف آمال “الحزب” يتمثّل بتمرير العاصفة الحالية عليه بأقلّ أضرار ممكنة، حيث يُراهن على متغيّرات دولية من شأنها تغيير الواقع القائم، أو على تطوّر إقليمي قد يتمثّل بعقد ​اتفاق أميركي​-​إيران​ي يُنقذ ما يمكن إنقاذه. أمّا خصومه فيراهنون بدورهم على متغيّرات إقليميّة محورها إيران أيضًا، لكن من شأنها زيادة الخناق على “الحزب” وليس العكس، وتقضي بأن يقود تعثّر المفاوضات مع طهران إلى توجيه ضربة عسكرية واسعة جديدة لقدرات إيران العسكرية، ولما تبقى من قوى حليفة لها! وفي انتظار وُضوح الصورة الإقليمية ما هي الخيارات الباقية أمام “حزب الله”، وهل يُسلّم سلاحه؟ التفاصيل في المقال الخامس ضمن هذا الملف الشامل.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة