أسامة خليفة
يحيي الفلسطينيون يوم الأسير الفلسطيني هذا العام في ظل حرب الإبادة الجماعية وحملات اعتقال واسعة، اعتقلت خلالها القوات الإسرائيلية آلاف الفلسطينيين في القطاع والضفة الغربية والقدس، ووضعتهم في ظروف اعتقال قاسية، في معتقلات أسوأ من المعتقلات النازية، ولاسيما بعد طوفان الأقصى وتولي المتطرف إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي، وأصبح مسؤولاً عن إدارة مصلحة السجون التي اتخذت تدابير تسببت في الإضرار بأوضاع الأسرى الفلسطينيين، جرى استصدار سلسلة من القوانين والسياسات العنصرية والقمعية لاستهداف الأسرى، لتمنح الصبغة القانونية للممارسات الإجرامية بحق الأسرى. وحولت السجون وحياة الأسرى الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق، تشير إفادات أسرى مفرج عنهم، وتقارير مؤسسات حقوقية، إلى أوضاع الأسرى هي الأسوأ على الإطلاق بعد 7 أكتوبر 2023، غلب عليها التعذيب والتجويع والإهمال الطبي. تهدف هذه الممارسات النيل من عزيمتهم وثنيهم عن مواصلة الكفاح ضد الاستيطان وسلطات الاحتلال.
أما أسرى غزة لا أحد يعلم عددهم، ولكن ما هو موثق من معتقلين في السجون الإسرائيلية يصل إلى 9500 أسير. يقول رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس-وهو رئيس هيئة شؤون الأسرى الذي صدر قرار رئاسي بإحالته إلى التقاعد لانتقاده القرار بشأن مخصصات الأسرى والشهداء-: قبل 7 أكتوبر بلغ عدد الأسرى في السجون نحو 5 آلاف، اليوم نتوقع أن يصل الرقم إلى 12 ألفاً إذا ما أخذنا بالحسبان أسرى قطاع غزة. ومنذ السابع من أكتوبر استشهد 20 أسيراً وهذا المعلن عنه رسمياً، بالإضافة إلى المئات من أسرى القطاع، حيث بدأت إسرائيل بالاعتراف التدريجي باستشهاد 48 أسيراً من أسرى القطاع، منهم 36 أسيراً في سجن «سديه تيمان» وحده، ولكن الرقم أكثر بكثير من الذي أعلنت عنه إسرائيل في 30 تموز/ يوليو2024.
ومن بين الأسرى بحسب قدورة فارس، نحو 80 سيدة وأكثر من 200 طفل، ونحو 4 آلاف أسير إداري. وتؤكّد المؤسسات الحقوقية أنّ مستوى عمليات الاعتقال الإداريّ مستمرة في التّصاعد، هذه النسبة في أعداد المعتقلين الإداريين لم نشهدها على مدار عقود طويلة، حتى في أوج الانتفاضات الشعبية، وقد ساهمت المحاكم العسكرية بشكل أكبر منذ بدء الإبادة في ترسيخ هذه الجريمة، عبر جلسات المحاكم الشكلية المستمرة منذ عقود.
وفي هذا الإطار، كشفت القناة 12 العبرية عن رسالة لرئيس جهاز الشابك الإسرائيلي رونين بار في 2 تموز/ يوليو2024، تفيد بأن الاحتلال يعتقل 21 ألف أسير فلسطيني، وهو رقم أعلى بكثير من الرقم الرسمي المعلن في 31 آذار/ مارس، على الرغم من أن المعيار يسمح بسجن 14500 فقط. وحذر بار من الاكتظاظ داخل السجون. وهذه صورة مصغرة عن قطاع غزة الذي تحول إلى معتقل كبير حُكم على كل سكانه بالإعدام، وينفذ الحكم النازي بالعشرات من الفلسطينيين كل 24 ساعة.
أصدرت عائلات الأسرى الفلسطينيين في 6 أيار/ مايو 2024 بياناً جددت فيه مطالبتها المجتمع الدولي بحماية الأسرى، ووقف الجرائم المروعة التي ترتكب بحقهم، فهم يواجهون جرائم ممنهجة غير مسبوقة بمستواها الحاصل اليوم، وهي تمس مصيرهم وحقوقهم وكرامتهم، عبر جملة من السياسات الخطيرة الممنهجة التي اتبعتها إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية بحقهم، استخدمت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية العزل الانفرادي كأداة عقاب بحق الأسرى والأسيرات، ووسعت عمليات العزل الانفرادي بحق العديد من قيادات الحركة الأسيرة، ولا يزال العشرات من الأسرى يواجهون جريمة العزل الانفرادي إلى جانب العزل الجماعي الذي تضاعف بشكل غير مسبوق منذ بدء الإبادة الجماعية. تشكّل عمليات العزل أخطر السياسات التي تمارسها منظومة السجون بحق الأسرى بهدف استهدافهم جسدياً ونفسياً، ومن أساليب العقاب الأخرى: جريمة الإخفاء القسري، واتباع سياسة الإهمال الطبي، واستخدام الاحتلال سياسة التجويع، وحرمان الأسرى من الوجبات الغذائية، وتوفير وجبات قليلة جداً غير صحية وغير كافية، وسياسة التعذيب الجسدي والنفسي، التي يمر بها الأسير منذ لحظة اعتقاله، وخلال التحقيق، ومن خلال اقتحام الزنازين، والضرب، ونتف اللحى، إلى جانب سياسة التفتيش العاري المذلّة، داخل الزنازين، وفي مراكز التوقيف، تعصيب العينين مع تقييد الأيدي إلى الخلف وتقييد القدمين، ثم ربط قيود اليدين والقدمين معاً، وإلقاء المعتقلين أرضاً بحيث تكون بطونهم ووجوههم باتجاه الأرض، وإحاطتهم بالجنود ثم البدء بالضرب ركلاً وبالهراوات واللكمات على الوجه وكل أنحاء الجسد، وتوجيه ألفاظ نابية تمس الكرامة، وأساليب الاستهزاء، يذكر مواطن فلسطيني مفرج عنه من سجن النقب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أن ضابطاً أزال عنه عصبة العينين، وطلب منه أن يقرأ لافتة مثبتة على الحائط كتب عليها: أهلاً وسهلاً بكم في جهنم.
يوم الأسير الفلسطيني 17 نيسان مناسبة لتسليط الضوء على معاناة الأسرى وما يرتكب بحقهم من جرائم في سجون النازية الجديدة، وإبراز قضية الأسرى من خلال مواجهة إسرائيل، والضغط عليها لوقف انتهاكاتها بحقهم، والتنديد بالصمت الدولي على الجرائم المرتكبة، واستنكار عدم وجود رد فعل حقيقي من قبل المؤسسات الحقوقية.
وعلى المؤسسات الدولية والعالم الضغط على إسرائيل وإلزامها بالضوابط القانونية ومعاملة الأسرى معاملة إنسانية.
تتعمد إدارة مصلحة السجون حرمان الأسرى من أبسط الحقوق التي نصت عليها كافة المواثيق الدولية وهي حقهم في العلاج، حيث استشهد مئات الأسرى داخل سجون الاحتلال، أو بعد الإفراج عنهم بفترة وجيزة، بسبب الإهمال المتعمد، فجميع الأسرى الذين أفرج عنهم من السجون الإسرائيلية، أوضاعهم الصحية وحالتهم النفسية توضح حجم التعذيب والتجويع الممنهج الذي يتعرض له الأسرى، هذا يتطلب من الجهات الرسمية توفير الحماية الدولية للأسرى، ومساءلة ومحاكمة المسؤولين الإسرائيليين عن هذه الجرائم، وفتح الملف الطبي للأسرى من خلال العمل على الإفراج عن كافة الأسرى المرضى من ذوي الحالات الصحية الخطيرة، وتشكيل لجنة تقصي حقائق من الدول الأطراف في اتفاقية جنيف أو مجلس حقوق الإنسان لزيارة السجون والاطلاع على معاملة إسرائيل للأسرى، ومدى تطبيقها للمعايير الدولية في تقديم الرعاية الصحية، وتفعيل دور منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي في زيارة الأسرى المرضى، ومتابعة أوضاعهم الصحية، ومطالبة المحكمة الجنائية الدولية بالإسراع بفتح تحقيق حول استشهاد المئات من الأسرى بسبب التعذيب والإهمال الطبي، وعدم تقديم العلاجات اللازمة لهم والاعتداءات الجنسية التي لا يمكن سرد الشهادات الصادمة للأسرى حولها.
كما أن على كافة القوى والفصائل الوطنية أن تشدد موقفها من انتهاكات الاحتلال تجاه الأسرى بالعمل على تحرير كافة الاسرى والمعتقلين من سجون الاحتلال الإسرائيلية، وإبراز قضيتهم كقضية وطنية باعتبارها جزءاً من حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، واعتبار قضية الأسرى والشهداء والجرحى من الثوابت الوطنية لا يجوز المساس به تحت أي ظرف، ورفض تحويل هذه الفئة الوطنية المناضلة والتي قدمت أغلى ما تملك من أجل شعبنا وقضيته العادلة، إلى حالات اجتماعية، وهذا يتبدى في قرار السلطة في رام الله وقف رواتب الأسرى والشهداء وتحويلهم إلى مؤسسة التمكين الاقتصادي، في إطار الرضوخ للإملاءات الصهيونية والأميركية، ومما كشفه فارس أن من يتضرر من هذا المرسوم هو رقم كبير يصل لنحو 35-40 ألف عائلة أسير وجريح وشهيد..
المطلوب من السلطة الفلسطينية تدويل قضية الأسرى قانونياً ودبلوماسياً، وذلك من خلال استخدام كافة الآليات الدولية لعزل ومقاطعة ومحاسبة إسرائيل، ومنها قضية الطفل أحمد مناصرة وأمثاله كثيرون، فحسب مصادر اعتقل الاحتلال الإسرائيلي 8500 طفل فلسطيني بين العامين 2000 و2015 أغلبيتهم تعرضوا لما تعرض له الطفل أحمد مناصرة من تعذيب نفسي وجسدي، وهي حالات يجب أن توثق لاستخدامها دليلاً ضد الاحتلال وقياداته التي يجب أن تحاكم بوصفهم مجرمي حرب يتجرؤون على المخالفة الصريحة للقوانين الدولية واتفاقية حقوق الطفل التي تنص مادتها رقم 16 على أنه «لا يجوز أن يجري أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة، أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته»، وتنص أيضاً على أن «للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس».
ورغم إبداء تشاؤمه من المحكمة الجنائية الدولية التي انضمت إليها فلسطين، اعتبر المدير العام للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أن مجرد فتح تحقيق أمام هذه المحكمة في جرائم الاحتلال سيشكل رادعا للقيادات الإسرائيلية، معرباً عن أمله بأن توقظ حالة الطفل مناصرة ضمير المجتمع الدولي من سباته أمام ما يتعرض له الفلسطينيون من انتهاكات.
ومنذ أن دعت الحركة الأسيرة في السجون في بيان صادر عنها في 12تموز/ يوليو 2016 السلطة للعمل على نقل ملف الأسرى إلى محكمة الجنايات الدولية، ومجلس حقوق الإنسان، والأمم المتحدة، بهدف تجريم الاحتلال، وفضح ممارساته وانتهاكاته اليومية بحقوق الأسرى، فمنذ هذه الدعوة وحتى اليوم لم يحدث شيء على الرغم من تورط إسرائيل في سياسة قتل الأسرى واعترافها بقتل العشرات من أسرى قطاع غزة. وهنا يبرز السؤال ماذا ننتظر للتوجه إلى محكمة العدل الدولية لاستصدار فتوى حول المركز القانوني للأسرى، وفق القانون الدولي والإنساني، وذلك لتحصين الصفة القانونية للأسرى كمحميين وفق اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، والإسراع في التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإحالة قضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل بحق الأسرى.
أما حول دور مؤسسات حقوق الإنسان والمطلوب منها، هو الضغط على الاحتلال وتذكيره باتفاقية جنيف الرابعة لتوفير الرعاية الصحية الكاملة للأسرى والحفاظ على حياتهم، وابتعاث مندوبين طبيين لمتابعة الحالات المرضية الصعبة، وعمل الإجراءات الطبية اللازمة، وتنظيم بعثات طبية دائمة لتوثيق الحالات المرضية والأمراض بين الأسرى، والتوصية بالإفراج عن الأسرى الذين يعانون أمراضاً سريرية ومزمنة، وتوفير المستلزمات الطبية والعلاجات اللازمة بشكل دائم وإدخالها للأسرى.
لا يمكن إغفال دور الإعلام في تسليط الضوء على قضية الأسرى، ونقل روايتهم ونشر معاناتهم وما يتعرضون له من قتل متعمد وجرائم متواصلة، وبذل كل جهد سياسي وحقوقي وقانوني وإنساني، والضغط على المحاكم الدولية للتحقيق في جرائم وانتهاكات الاحتلال ضد الأسرى. إن هذه الجرائم، تنتهك بشكل فظيع قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف الأربع وميثاق المحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية حماية الطفل، وغيرها من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ما يضع دولة الاحتلال كدولة معادية للثقافة والقيم الإنسانية العالمية.
المراجع:
موقع القدس الالكتروني، عقل صلاح، مقال بعنوان ما يواجه الأسرى في سجون الاحتلال قبل وبعد 7 أكتوبر.
موقع الجزيرة مقال بعنوان أحمد مناصرة.. طفل عاقبه الاحتلال بالسجن 9 سنين
الموقع الالكتروني لهيئة شؤون الاسرى والمحررين، وعدد من المواقع الالكترونية الأخرى