بقلم: (د. كلود عطية)
في سجنٍ فرنسي، بين الجدران الباردة والرطبة، يعيش رجلٌ يُشبه الأساطير. اسمه: جورج عبد الله.
جسده هناك، لكن روحه تحوم فوق العالم، تُدين صمت الضمائر، وتُفجّر أسئلة لا يمكن للأنظمة أن تتحمّلها:
ما هي الحرية؟ ما معنى العدالة؟ ما قيمة الإنسان إن صمت عن الظلم؟
فرنسا، تلك السيدة العجوز التي نسيت وجهها في المرآة
هل تعرفين من هو جورج يا فرنسا؟
إنه مرآتكِ الأكثر صدقًا.
صموده يعرّي هشاشة ما تبقّى من كبريائك،
يقف ثابتًا بينما أنظمتك تتعرّج بين الضغط الأميركي والرضا الصهيوني.
إنه لم يُسجن فقط لأنك خفتِ من عدالته…
بل لأنك خفتِ من الحقيقة التي يحملها:
أن الحرية ليست شعارًا يُكتب على بوابة السجن، بل موقف يُدفع ثمنه.
فلسفة الجدران
ما معنى أن يُسجن رجلٌ أتمّ محكوميته منذ ربع قرن؟
ما معنى أن يبقى خلف القضبان رغم قرارات قضائية بالإفراج؟
إنه ليس سجينًا… بل شاهدًا على موت الضمير الجماعي.
سجنه ليس حرمانًا من الحرية فقط، بل هو إعلان رسميّ بأن العالم يحكمه الخوف، لا القانون.
أليس هذا هو السجن الحقيقي؟ أن تصبح العدالة عبداً للسياسة؟ أن تُباع الروح في بورصة المصالح؟
أفلاطون في السجن الفرنسي
لو عاد أفلاطون اليوم، لكتب أن الكهف لم يعد رمزًا، بل واقعًا اسمه “جورج عبد الله”.
وأن من في الخارج هم المقيّدون لا من في الداخل.
أن السجين الذي لا يساوم على كرامته، أكثر حرية من رئيس يُوقّع قراراته على وقع أوامر البيت الأبيض.
إيمانويل ماكرون، أجب: من يحكمك؟
رئيس فرنسا، يا من تتحدث عن السيادة، عن الأخلاق، عن الحرية.
هل تجرؤ أن تنظر في عينيّ جورج عبد الله؟
هل تجرؤ أن تقول له لماذا لا يزال سجينًا بعد أن قال القضاء كلمته؟
هل تجرؤ أن تعترف أن فرنسا في هذا الملف ليست دولة قانون بل دولة خضوع؟
لا تُطلقوا سراحه لأجله، بل لأجل ما تبقى منكم.
لأن كل يوم يمضيه في سجنه، هو يوم آخر تموت فيه العدالة.
لأن حرية جورج عبد الله هي آخر فرصة لفرنسا أن تُكفّر عن تاريخها الاستعماري،
أن تُثبت أنها ما زالت تعرف الفرق بين الجلاد والضحية.
كلمة أخيرة:
جورج عبد الله ليس سجينًا… بل امتحان.
إما أن تجتازوه كدولة، كمجتمع، كإنسان،
وإما أن تعترفوا للعالم أن “الحرية، المساواة، الإخاء” لم تكن يومًا سوى وهم كبير.
وإن لم تُطلقوه، فلن تُسجنوا جورج فقط،
بل ستسجنون فرنسا إلى الأبد في قبو النفاق الأخلاقي.