علوان فتح الله – الاخبار
كان من المقرّر أن تبدأ عملية نزع السلاح الفلسطيني في لبنان، أو تنظيمه كما يحب البعض أن يسمّيها، في منتصف الشهر الماضي. لكن ذلك لم يحدث.
قد تكون المستجدّات على الساحة الفلسطينية في لبنان هي السبب الرئيسي وراء تأجيل الموعد إلى أجلٍ لم يُسمَّ بعد. والدولة اللبنانية بدورها تفهّمت الأمر، وتعاطت إيجابياً على طريقة «نريد العنب ولا نريد أن نقتل الناطور».
أثناء زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخيرة إلى لبنان، جرى الاتفاق مع الرئيس اللبناني جوزاف عون على سحب سلاح المخيمات، وهو أمر طالما تحدّث عنه عباس، فلم يأتِ بجديد، وكذلك بحث مع عون موضوع الحقوق الإنسانية للّاجئين الفلسطينيين في لبنان.
ما لم يخطر على بال عباس، العقبات العديدة من داخل بيته، أي من داخل حركة «فتح» التي يرأسها. إذ اكتشفت رام الله أنّ قيادة «فتح» في لبنان، خارج السيطرة فعلياً، وعليه بدأت في ورشة إصلاح سريعة، فكلّف عباس لجنة مشكّلة من أعلى المستويات، فيها كل التخصّصات (الأمنيّة والعسكرية والمالية والإعلامية والطبّية وغيرها). وبدأت هذه اللجنة اجتماعاتها منذ إعلان تشكيلها، قبل نحو أسبوعين، وبدأت بالتوافد إلى لبنان.
شلل في «فتح»
لكنّ هذا لم يرقْ لقيادة الحركة في لبنان. وهنا لا بدّ من الإشارة بوضوح إلى أنّ قيادة «فتح» في لبنان، مختصرة منذ سنوات بشخص السفير الفلسطيني أشرف دبور، لما سيطر على كل مفاصل العمل التنظيمية والأمنيّة والعسكرية والاجتماعية، وذلك بعد تعيينه قبل سنوات نائباً للمشرف العام على الساحة اللبنانية التي يتولّاها أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عزام الأحمد، فكان هذا التعيين بمثابة -هو اعتبر ذلك- الإشارة للسيطرة على كل الأطر الحركية، بالترغيب والترهيب.
مع مرور الوقت، تمّ إخراج شخصيات مهمة من التنظيم، لها باعها الطويل في قيادة الحركة، وعلى دراية بشؤون العمل التنظيمي والسياسي في لبنان، فأحدث هذا الأمر شللاً تنظيمياً وإدارياً، في قيادة لبنان، ولا سيّما بعد إقحام أسماء في مواقع لا تمتلك من شأنها شيئاً.
ومن ضمن ما حدث، أنّ الإطار القيادي لـ«فتح» في لبنان، المعروف بمسمى «قيادة الساحة»، تجاهله دبور واستبعده عن أخذ القرار، فاستفرد هو بالقرارات، وصار أمين سر حركة فتح وفصائل منظمة التحرير في لبنان فتحي أبو العردات من دون صلاحيات فعلية، ويبدو أنه وافق على هذا الدور الصوري الذي تحوّل إلى بروتوكولي مع الوقت. وهذا ما ترك لدبور مساحة أوسع، جعلته فعلياً على تماس مع كل مفاصل العمل الحركي في لبنان، والعمل الفلسطيني، والعلاقة مع الدولة اللبنانية والأحزاب كذلك.
السلطة المطلقة مَفسدة مطلقة
تمكّن دبور من ذلك، عبر مجموعة من المنتفعين المؤيّدين لشخصه، لا للحركة ولا لنهجها، فبعضهم لا يعرفون من «فتح» سوى اسمها، أمّا برنامجها ونظامها الداخلي، فلم يمرّ ولم يمرّوا عليه. في مقابل ذلك، أبعد دبور كل من يخالفه الرأي، بغضّ النظر عن موقعه أو تاريخه النضالي، فتمكّن بذلك من كل مفاصل «فتح»، وتقريباً، من كل مفاصل العمل الفلسطيني في لبنان. ولمّا حاول بعض أعضاء الحركة في لبنان رفع الصوت، وإيصال ما يحدث في الساحة اللبنانية إلى القيادة في رام الله، واجههم سدّ منيع، صفته «مشرف الساحة»، واسمه عزام الأحمد.
استحقاق «فتح»
أمام القيادة في رام الله، واللجنة التي تشكّلت، مهام كبيرة، لا تقتصر على إصلاح الحركة، ولملمة الخراب الذي تراكم عبر سنين عديدة، بل ما هو أمامهم، حماية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فـ«فتح» داخلة في تفاصيل الحياة في المخيمات، عدا عن الآلاف المتعاقدين والمتفرّغين فيها.
وعليه، هل ستنتهي الأمور بترك الأمور على ما هي عليه، مع بعض التحسينات الشكلية، وهذا خيار خطير جداً لمستقبل الحركة، وسينعكس سلباً على اللجوء الفلسطيني، أم ستعمل على حلول جذرية تحافظ على حركة فتح، حركة تحرّر وطني تتمسّك بحق العودة وتلتزم بقوانين الدولة اللبنانية، بعيداً عمّا نسمعه من إصلاحات تقود «فتح» في لبنان تحت جناح السلطة في رام الله؟
في صباح عيد الأضحى الأخير، وُضعت أكاليل ورود على النصب التذكاري للشهداء في مقبرة الشهداء، في مستديرة شاتيلا في بيروت. وهذه المرة كُتب على الأكاليل «مخيمات الحرمان»، هذه الأكاليل، أُرسلت من السفارة الفلسطينية، من ضمن عملية التمرّد على قرار القيادة الفلسطينية.
وفي كل عيد كانت توضع أكاليل مشابهة، بعبارات مختلفة، ألم تكن في حينها المخيمات «مخيمات حرمان»؟ إنّ ما يحدث اليوم في لبنان على مستوى حركة فتح، ينبئ بأمور سيئة وخطيرة، قد تقود المشهد الفلسطيني برمّته إلى كارثة في المخيمات، تتشابك فيها التناقضات القائمة منذ سنوات. ولا سيّما أنّ شخصيات فتحاوية، أعلنت تمرّدها على «قيادة» فتح في لبنان، بينما «قيادة» فتح في لبنان تمرّدت على قيادة فتح في الوطن!
وفي ظل هذا المشهد الخطير والمعقّد، ومن أجل الحفاظ على شعبنا ومخيماتنا من كارثة قادمة، لا بدّ من إنهاء ديكتاتورية السفارة، وفي حال إبقاء السفير دبور أو استبداله يجب أن تنحصر مسؤولية السفير في الأطر الديبلوماسية فقط. كما لا بدّ من عودة إدارة التنظيم إلى قيادة التنظيم المنتخبة ديموقراطياً في الأطر من دون إملاءات، أو تدخلات من داخل لبنان أو من خارجه.