آخر الأخبار

ترامب ونتنياهو: تحالف الإجرام المقنّع بـ”السلام”

e8bff859-6abe-4b6f-a0e9-c8d79d2687e6

بقلم: عصام الحلبي

العالم اليوم يشهد واحدة من أكثر المسرحيات السياسية فجاجة، حيث يرتدي القتلة أقنعة “السلام” بينما تغرق المنطقة في الدماء، في هذه المسرحية، يتقدّم دونالد ترامب، تاجر الكازينوهات وصفقات الظل، بدور “رجل الفضيلة والإصلاح”. يحاول أن يُقنع العالم بأن مصالحه التجارية ومغامراته السياسية يمكن أن تتحوّل فجأة إلى مشروع سلام، لكن الحقيقة أن ترامب لا يعرف من الدبلوماسية سوى لغة الصفقات، ولا يرى في السياسة سوى ميدان للمقايضة على الأرواح.

خلف هذا القناع الأمريكي، يظهر بنيامين نتنياهو، الشريك الأبرز في صناعة الوهم. يتقن نتنياهو فنّ الكذب وتزوير الوقائع، ويحوّل رواية “المظلومية” إلى ذريعة لتبرير القتل والتدمير، كلا الرجلين ينتمي إلى المدرسة نفسها، مدرسة الخداع والإجرام المزيّف بالدبلوماسية، التي تبرّر المجازر بلغة “الدفاع عن النفس” وتُجمّل الاحتلال بخطاب “الاستقرار”.

ترامب لم يأتِ ليوقف القتل، بل ليمنحه شرعية جديدة. فدعمه المفتوح لنتنياهو في العدوان على غزة ولبنان، وتسليحه المتواصل لإسرائيل، يثبت أنه ليس وسيط سلام بل تاجر حرب محترف. ورغم سعيه المحموم لنيل جائزة نوبل للسلام، فشل ترامب في تحقيقها، وهذا الفشل لم يردعه، بل زاد من اندفاعه لإطلاق يد نتنياهو في المزيد من الإجرام، وكأنما يريد تعويض خيبته الدبلوماسية بمزيد من “الإنجازات النارية”.
الهدنة التي يتغنّى بها البعض ليست إلا استراحة محارب. فنتنياهو، الذي اعتاد خرق كل اتفاق، لن يلتزم بوقف إطلاق النار طويلاً،حكومته اليمينية المتطرفة تتحيّن الفرصة لتوسيع العدوان وربما لافتعال مواجهة مع إيران، في سيناريو معروف، اتهامها ببدء الهجوم لتبرير حرب جديدة، حينها لن تسقط فقط هدنة غزة، بل قد تشتعل المنطقة بأكملها في سلسلة من الحروب، سيكون الأمريكي حاضراً فيها لاعباً رئيسياً، وداعماً لإسرائيل في كل مأزق.

المشهد الدولي اليوم يكشف أن الإنسانية صارت ورقة في بورصة السياسة. تُوقَّع الهدن لتُخرق، وتُطلق الدعوات للسلام لتمهّد لجولات قتال جديدة. ترامب ونتنياهو لا يصنعان سلاماً، بل يروّجان لوهمه، مستخدمَين الإعلام والدبلوماسية لتغطية جرائم الحرب وتبييض صورة الاحتلال، إنهما وجهان لتحالف واحد — تحالف الإجرام المقنّع بلغة “السلام”.

لسنا أمام مشروع سلام، بل أمام صفقة إجرام تُدار بعقلية التاجر الذي يقيس الأرواح بالمكاسب، وفي عالمٍ كهذا، يصبح القاتل وسيطاً، والمحتلّ حاملاً لراية العدالة. إن أخطر ما يواجهه عالم اليوم ليس الحروب نفسها، بل تلك الأكاذيب التي تُقدَّم بلباس الفضيلة، وتُسوَّق كأنها طريق إلى السلام.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة