الفوعاني: الجنوب يستحق كل الحماية والرعاية، و التفريط بالجنوب وبالقرى الأمامية وعودة الناس إلى قراهم هو تفريط بكل لبنان
في مشهدٍ يفيض بالوفاء والإيثار، أحيا الدفاع المدني في مفوضية جبل عامل – جمعية كشافة الرسالة الإسلامية الذكرى السنوية لشهدائه الأبرار، عبر المناورة الكبرى “وفاءٌ وعطاء” التي أُقيمت عصر يوم الأحد في شارع الحسبة – مدينة صور، بحضور رئيس الهيئة التنفذية الدكتور مصطفى الفوعاني، مفتي صور وجبل عامل المسؤول الثقافي المركزي في حركة أمل الشيخ حسن عبدالله، مسؤول مكتب الشوون البلدية والإختيارية المركزي في حركة أمل الحاج بسام طليس، المسؤول التنظيمي لإقليم جبل عامل الحاج علي اسماعيل وأعضاء من قيادة الإقليم، مفوض الدفاع المدني المركزي القائد ربيع عيسى، رئيس اتحاد بلديات صور الحاج حسن دبوق، وفد من الكتيبة الكورية في قوات الطوارئ الدولية، أعضاء من المفوضية العامة في جمعية كشافة الرسالة الإسلامية، مفوض جبل عامل الحاج قاسم حيدر وأعضاء المفوضية، قيادات المناطق الكشفية وقيادات الأفواج، وحشد من الفعاليات الحركية والبلدية والإختيارية والتربوية.
افتتح الحفل بآياتٍ بيّناتٍ من الذكر الحكيم رتّلها المُقرئ عباس حمود، تلاها النشيدين اللبناني ونشيد جمعية كشافة الرسالة الإسلامية الذين عزفتهما الفرقة الموسيقية في مفوضية جبل عامل.
رئيس الهيئة التنفيذية الدكتور مصطفى الفوعاني ألقى كلمة شدّد فيها على أن هذه المناسبة ليست مجرد عرض ميداني، بل تجسيدٌ لرسالةٍ إنسانيةٍ ووطنيةٍ عميقة، تعبّر عن إرادة الحياة في وجه العدوان، وعن صورة الجنوب المقاوم الصامد.
وأكّد: “أنّ الجنوب يستحق كل الحماية والرعاية، وأنّ التفريط بالجنوب وبالقرى الأمامية وعودة الناس إلى قراهم هو تفريط بكل لبنان، كما أكّد التمسك بالوحدة الوطنية، قائلاً: “نحن مع الإجراءات الحقيقية التي تمكن الدولة والشعب من العيش بأمان في هذه المنطقة”.
ووجّه الفوعاني التحية إلى جميع الشهداء الأبرار، قائلاً:”علينا أن نقدّر هذه الدماء الغالية التي قدّمت كل التضحيات. نحن نعيش في منطقة جبل عامل المباركة التي يفتخر بها العالم بأجمعه، ونحن بانتمائنا للنهج الحسيني الدائم نفجّر طاقات الأمة التي قصّرت عن القيام بواجبها رغم توفر الإمكانيات. ويبقى الفضل لهذا الخط الذي لنا شرف الانتماء إليه، وهو يتألّق بوفاء الناس والشهداء وعوائل الشهداء. وبلدة معركة التي هبّت بكبيرها وصغيرها لها تاريخها المشرّف وفيها من الشهداء والعلماء من نرفع بهم الرأس.”
وأضاف الفوعاني: “نحن ما زلنا في هذه المسيرة، واليوم نودّع شهيداً جديداً من هذه الكوكبة التي خطّت طريقها بالدم والعطاء. وبالرغم من كل التضحيات، هناك من يحاول تعمية الحقيقة وقلب الصورة والإيحاء بأننا نقصف في الجنوب لأن لدينا سلاحاً، متغاضين عن جرائم العدو الإسرائيلي وعن حرب الإبادة من الجنوب إلى البقاع وحتى غزة. نقول لمن يعملون إرضاءً للعدو ويستكترون كلمة شهيد على أبنائنا: نحن نحب الحياة ونريد لأبنائنا أن يعيشوا أفضل حياة، لكننا حملنا السلاح لأن الدولة اللبنانية تخلت عن القيام بواجبها، وكما قال الإمام السيد موسى الصدر: نحن دفعنا ثمن تخلي الدولة اللبنانية عنا.”
وتابع الفوعاني مؤكداً: “المطالبة بإعادة الإعمار ليست منّة من أحد ولا تفضّلاً من الدولة اللبنانية علينا، بل هي حق لنا وواجب على الدولة. لم نرَ حكومة في تاريخ لبنان تباطأت في إعادة الإعمار ومدّ اليد إلى القرى التي دمّرها العدو من كفركلا إلى الخيام وبليدا وميس الجبل والناقورة وبنت جبيل وغيرها من القرى الأمامية. نرفع الصوت مجدداً: هناك قرى مدمّرة وأهالٍ يريدون العودة ويتمسكون بها، وهم وطنيون أكثر من أي مسؤول. وما الحملة التي تُشن على دولة الرئيس نبيه بري والمقاومة والثنائي الوطني وكل الدول التي تدعم المقاومة إلا محاولة لنزع القوة من أهلنا وإمكاناتنا. ونحن ندفع الثمن فيما يروّجون للسردية الإسرائيلية عن سبب الاعتداء علينا.”
وأضاف الفوعاني: “في زاويةٍ من زوايا الحرب، حيث يتكسّر الزمن على أعتاب الدم وتتوّارى الحقيقة بين الركام والغبار، يبرز أبناء الرسالة شهقةَ الضوء في رئة الليل، وحراسَ الحلم حين تُغتصب المدينة على مرأى الجدران. هؤلاء لا يحملون السلاح، بل يحملون القيامة في أكفّهم، يركضون في الهشيم كمن يمشي على حواف السكاكين، تحت المطر الأسود يزرعون أنفاسًا في صدورٍ خامدة ويخيطون الجراح بخيط النية ونبض العقيدة.”
ولفت إلى أن “هؤلاء ليسوا بشرًا فحسب، بل مجازٌ حيّ عن الحسين في زمن القصف، تمائم تمشي وأيقونات تنزف ولا تنكسر، كل واحدٍ منهم محرابٌ متحرك ومئذنةٌ في قلب الحريق، شهيدهم لا يُدفن بل يُعلَّق نجمًا في سماء الجنوب، وجريحهم لا يئن بل يصوغ من ألمه نشيدًا لأجيالٍ لم تولد بعد.”
وشدّد على أن “أجسادهم أبوابٌ للنجاة ووجوههم مرايا تُعيد تعريف البطولة، صوت صفارتهم يُشبه صوت الوحي، وأيديهم حين تلامس الجرح تشفي، لأنها لا تلمس اللحم بل تلامس الروح.”
وأكمل الفوعاني: “هؤلاء يأتون من رحم الرسالة، من الطين النقي الذي نطق ذات دمعة: لن نترك الناس وحدهم. يطعمون الموت صبرًا، وينامون على رصيف الأمل، ويعرفون أن من يُسعف وطنًا لا يموت. إنهم صامتو المجد الذين لا يدخلون الصورة بل يصنعونها، وحين تُكتب الأسطورة، ستكون خوذهم تيجانًا ودماؤهم حبرًا للخلود.”
وأشار الفوعاني إلى أن “اللقاء اليوم في صور، قلب جبل عامل، هو لتكريم فرسان الإنسانية، وللتعبير عن شكرٍ لا يوفيهم حقهم لكنه واجب علينا، فنحن نرفع الرايات لا على أسوار الحرب، بل على جباهِ الذين حموا الناس من نارها.”
وقال: “رجال الدفاع المدني لم ينتظروا لحظة التصفيق، بل لبّوا نداء الواجب حين كانت الناس تهرب، دخلوا الأزقة المظلمة، حملوا الأوجاع على أكتافهم، وأثبتوا أن الكشاف ليس مجرد زي، بل قسمٌ لا يُنكَر ومسؤولية لا تُساوَم.”
وأكد الفوعاني أن “في صور، وفي كل زاوية من جبل عامل، كان هؤلاء الكتف التي لم تهتز، واليد التي أمسكت بنبض الجريح، والقلب الذي ظل يخفق حين ساد الصمت. هم أبناء الإمام الصدر، حراس قسمه الذين فهموا أن الكشاف لا ينفصل عن الإنسان، ولا عن الأرض، ولا عن الجنوب الذي صُبغ ترابه بالدم النقي.”
وتابع قائلاً: “مع دولة الرئيس نبيه بري تعلمنا أن الوطن لا يُحمى بالشعارات، بل بالسواعد، وها أنتم سواعد من نور وجباه من كبرياء، قدمتم الشهداء وسقط منكم الجرحى، لكنكم لم تتراجعوا عن خط المواجهة. جهوزيتكم ليست في المعدات فقط، بل في النفوس، في إيمانٍ لا يتزحزح بأن خدمة الإنسان عبادة.”
وختم الفوعاني كلمته بالقول: “أنتم لستم فقط فخر الكشاف، بل فخر الجنوب وفخر الوطن. لكل واحد منكم نقول: كل قطرة عرق منكم تزرع أمانًا في دروب الناس، وكل استجابة طارئة هي نبض أملٍ جديد.
نيابةً عن كل قلبٍ أنقذتموه، عن كل عائلة احتضنتم خوفها، وعن كل جنوبٍ وقف بفضلكم أكثر شموخًا، نقول: شكرًا بحجم الجنوب، شكرًا بحجم دماء الشهداء، وشكرًا لأنكم تثبتون في كل مرة أن الكشاف هو قلب الوطن النابض.”
“ونؤكد مجددًا أننا سنبقى أوفياء لخط الإمام موسى الصدر ودولة الرئيس نبيه بري، متمسكين بالوحدة الوطنية وبالنهج الحسيني المقاوم، لأن الجنوب هو عنوان الكرامة، والدفاع عن الإنسان هو جوهر الرسالة.”
وكانت قد شهدت المناورة استعراضًا لوحدات الدفاع المدني في المفوضية على اختلاف اختصاصاتها، بالإضافة إلى أسطول الآليات الذي يغطي نطاق عمله كافة القرى والبلدات، بالإضافة إلى مسيرة رمزية للآليات التي تضررت جراء العدوان الصهيوني الأخير، حيث تجسّد خلالها مشهد البطولة والتضحية الذي خطّه شهداء الدفاع المدني بدمائهم الطاهرة، تأكيدًا على استمرار الرسالة في خدمة الناس وحماية الأرواح والممتلكات.
تنوّعت فقرات المناورة بين محاكاة ميدانية لعمليات إنقاذ وإطفاء وإسعاف، قدّمها عناصر الدفاع المدني بكفاءة عالية، عكست الجهوزية الدائمة والتدريب المتواصل.
واختُتمت الفعالية بتجديد العهد على المضيّ في طريق الشهداء، درب العطاء الذي لا يعرف الانطفاء، وبتحيةٍ إجلالٍ لمن جعلوا من إنسانيتهم نداءً دائمًا للواجب.
عرّف الحفل القائد جهاد بركات.
