آخر الأخبار

هل تمارس الفصائل الفلسطينية السياسة؟

92c9d1f5-3942-44e4-97ea-c24567b162bd

أيهم السهلي

لا تمارس الفصائل الفلسطينية، مجتمعة أو متفرّقة، السياسة، إنما في معظم ما تفعله ترتجل. وهذا الارتجال أسبابه عدة، منها ضعف خبرات الكادر القيادي الأول والثاني والثالث سياسياً ومعرفياً، علماً أن بعض أعضاء المكتب السياسي في بعض الفصائل الفلسطينية، لا يعرفون في الشأن الفلسطيني أكثر مما يقال في الجلسات اليومية في المكاتب، ما يجعل سؤال ممارسة السياسة عند هؤلاء مطرح شك.
أمّا الفصائل التي لديها كادر ممارِس، ويمتلك الخبرة السياسية، فهي تنقسم إلى فئتين: الأولى، فصائل لا تمتلك التأثير السياسي، ولا القوة والقوى الشعبية التي يمكن أن تضغط من خلالها لتحقيق أمر ما على الأرض. الثانية، فصيلان، وهما «فتح» و«حماس»، اللتان تمتلكان القوة والقوى الشعبية، وبالتالي لديهما قدرة التأثير السياسي.

وبسبب قدرة الفصيلين (فتح وحماس)، الواقع السياسي الفلسطيني في حالة انقسام سياسي مستمر منذ عام 2007، و«الانقسام» جانب واحد من المشهد، لأنه الأكثر ظهوراً ووضوحاً وتداولاً، وهو سبب التداعيات الأخرى في مختلف جوانب الحق الفلسطيني. وليس آخر هذه الجوانب، عدم الاتفاق على إدارة شأن غزة بعد تدميرها، وقتل أكثر من سبعين ألفاً من أهلها، وتشريد البقية الباقية في خيام خارج ديارها التي سُوّيت بالأرض. هذه المأساة العظيمة لم تتمكّن من «لمّ الشمل» السياسي الفلسطيني، بل على العكس، انفتق أكثر، الصف المفتوق أصلاً، ولا يبدو أن هناك إمكانية لرتقه في وقت من الأوقات.

وطالما أن الأمر وصل إلى هذه الحدود منذ وقت طويل، وتكثّف، وازداد سوءاً خلال عامَي الحرب، يتبادر السؤال: لماذا لا يقوم أحد الفصيلين بالانقضاض السياسي على الفصيل الآخر؟ مثلاً، لماذا «حماس» لا تواجه السلطة وضمناً «فتح» في السياسة؟ فامتلاك «حماس» الشعبية في الشارع الفلسطيني، يفترض أنّه يؤهّلها للقيام بتظاهرات كبرى في الضفة الغربية ضد السلطة، أو ضد مشروع السلطة التي لا توفّرها «حماس» في جلساتها الخاصة، ولا منابرها العامة عبر شخصيات محسوبة عليها، وأحياناً عبر شخصيات «حمساوية» معروفة بانتمائها. ومعروف أن السلطة ستقمع التظاهرات، إمّا عبر الأجهزة الأمنية، وإمّا عبر إنزال «شارع ضد شارع». والعكس صحيح، فهذا الشارع «الفتحاوي» ربما بإمكان «فتح» أن تخرجه في تظاهرات غاضبة ضد «حماس»، وضد مشروعها. ولن يجد هذا الشارع من يقمعه، فالذي يقمع هو الذي أخرج.

«فتح» و«حماس»، كل فصيل منهما، يريد إنهاء الآخر، أو إنهاء مشروعه، لكن لا يريد أيّ من الفصيلين الانقضاض على الآخر، وإنهاء حالته السياسية. والأسباب عدة، منها ألّا تُسجّل على أحدهما مسؤوليات أخرى في التاريخ، ولا سيّما أن الشعب الفلسطيني يحمّل الفصيلين مسؤولية الدم الفلسطيني الذي سقط في قطاع غزة خلال الاقتتال الفلسطيني-الفلسطيني عام 2007.

في المقابل، الشعب الفلسطيني يطالبهما، أي «فتح» و«حماس»، بإيجاد حل لمشاكلهما، فالأمر القائم حالياً يأخذ القضية الفلسطينية إلى ما هو أسوأ من الوضع الراهن، وتحديداً أن الحرب على قطاع غزة لم تضع أوزارها، رغم ما يُسمى الآن بـ«وقف إطلاق النار». فعوضاً عن أن تكون غزة سبباً للوصول إلى حل بين الحركتين، تحوّلت إلى سبب آخر لتبادل الاتهامات، هذه المرة بتحميل «فتح»/السلطة لـ«حماس» مسؤولية الدم الذي سفكته إسرائيل هناك، في حين تعتبر «حماس» أن «فتح»/السلطة فرّطت في الدم المسفوك في غزة.

آخر الأسبوع الماضي، انعقد «ملتقى الحوار الفلسطيني الثالث» في إسطنبول، وكان ضمن الحضور رموز فلسطينية وطنية لها باعها النضالي والسياسي والمعرفي، وفي بيانه الختامي أُعلن عن «الهيئة الوطنية للعمل الشعبي الفلسطيني»، وهي خطوة توحيدية بين «المؤتمر الشعبي لفلسطينيّي الخارج» (منظّم ملتقى الحوار)، و«المؤتمر الوطني الفلسطيني»، و«المؤتمر الشعبي الفلسطيني / 14 مليوناً» و«الاتحاد الفلسطيني في أميركا اللاتينية» وشخصيات فلسطينية مستقلةّ.

وبينما هي خطوة مهمة على صعيد توحيد «المعارضة» الفلسطينية إن صحّ التعبير، هي أيضاً خطوة تشير إلى حجم الانقسام الموجود، في صفوف «المعارضة»، إذ يتبادر السؤال: لماذا أصلاً هناك 3 مؤتمرات، تعمل للغاية نفسها، ومن المنطلقات ذاتها؟ هذا ورغم «التوحيد»، إذ لم تخلُ مداخلة من الحضور الذي بلغ نحو 200 شخص، من المطالبة بتوحيد الأطر، إلا أن البيان النهائي للملتقى الذي أعلن عن التوحيد، وصف «الهيئة الوطنية للعمل الشعبي الفلسطيني» بالقول إنها «تشكّل حالة تنسيق فعّالة ومؤثّرة لحشد الجهود والنهوض بالمسؤوليات الوطنية».

إذاً، هو توحيد تنسيقي، وليس توحيداً بقيادة مشتركة، فرغم الأهداف المشتركة، إلا أن الطريق كما يبدو فيه كلام، وحتى يصبح لهذه الأطر قيادة موحّدة، تتخذ قراراً واحداً موحّداً، وتمضي في طريق واحد نحو هدفها، ربما سيتمكن من يريد الإجهاز على بقية القضية من الإجهاز عليها… وهذا العتب ما هو إلا عتب على أواخر المؤمنين الصادقين بالقضية الفلسطينية والعمل من أجلها.

وعلى كل حال، لم يعرف التاريخ حركة وطنية بلا خلافات أو انقسامات وطنية، وغير وطنية، والقضية الفلسطينية ليست استثناء. لكنّ الاستثناء كامن في ما وصل إليه التعارض والتضاد بين الفصيلين، والذي في جوهره العميق، تعارض مشروعين سياسيين، وبحث عن السلطة من أجل تحقيق المشروع. وبينما «فتح» / السلطة تمتلك السلطة والتمثيل للضفة الغربية والقطاع بالمعنى الرسمي، وتمتلك عبر منظمة التحرير الفلسطينية تمثيل الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة. فـ«حماس» تمتلك سلطة غزة، ويبدو أنها «تمتلكها» حتى الآن، بعد الخطة الأميركية، مع عدم التأكّد من ذلك بعد قرار مجلس الأمن أول أمس.

مع ذلك، فهي كمقاومة تمتلك تمثيل فئات كبيرة من الشعب الفلسطيني المُنحاز إلى خيار المقاومة، إلا أنها لا تمتلك التمثيل الرسمي للشعب في الضفة، وليست ضمن منظمة التحرير. ويبدو أنها لن تتمكّن من الانضمام إلى المنظمة إلا بعد موافقتها على برنامج المنظّمة، الذي يشمل الاعتراف بوجود إسرائيل، وهو ما يتعارض مع برنامجها ومشروعها -كما اشترط عباس- رغم أنها تقبل بقيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، دون تنازل عن كامل فلسطين، بحسب تعديلات برنامجها السياسي في انتخاباتها عام 2017.

ما سبق، يؤكّد على حالة الشلل السياسي الفلسطيني ككلّ. وبعد عامين من الحرب، ليس هناك ما يشير إلى قدرة «حماس» على الاستثمار السياسي فلسطينياً. وإن كان هناك من أفق، فهو بممارسة السياسة فلسطينياً، عبر إعادة تأطير الشعب الفلسطيني، وإعادة الاعتبار إلى القضية الوطنية الفلسطينية. مع الحرص على عدم تضييع مكتسبات الشعب الفلسطيني التاريخية.
* كاتب فلسطيني

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة