آخر الأخبار

اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني

574882497_10172939891755360_6866912015862140391_n
بقلم: د. عبد الرحيم جاموس
يأتي التاسع والعشرون من نوفمبر كلّ عام ليعيد إلى العالم بوصلة الحقيقة، ويذكّره بأن القضية الفلسطينية ليست ملفًا سياسيًا عابرًا، بل اختبارًا أخلاقيًا وإنسانيًا لمدى التزام المجتمع الدولي بقيم العدالة وحقوق الإنسان. فهذا اليوم، الذي أقرّته الأمم المتحدة منذ عام 1977، لم يكن مجرد مناسبة رمزية، بل اعترافًا صريحًا بأن الشعب الفلسطيني ما زال محرومًا من حقوقه غير القابلة للتصرف: حقه في تقرير مصيره، وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وحقه في العودة والتعويض عمّا لحقه من نكبات متواصلة.
لقد شهد العالم خلال السنوات الأخيرة، لا سيما بعد العدوان المروّع على قطاع غزة، حجم المأساة التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني على مرأى من الجميع. مئات آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين، مدن أُحرقت، وبيوت أُزيلت، وشعبٌ جرى تجويعه وتهجيره في أبشع صور العقاب الجماعي. ومع ذلك، فإن صوت الفلسطيني، رغم كل هذا الألم، لم ينكسر، بل ظلّ متمسكًا بحقه، مؤمنًا بأن العدالة لا تسقط بالتقادم، وأن الحرية لا تُنتزع من ذاكرة الشعوب.
في هذا اليوم، لا يكتفي العالم بإعلان تضامنه، بل يُطلَب منه الانتقال من التضامن العاطفي إلى الفعل السياسي والقانوني. فالمطلوب اليوم واضح وصريح:
أولًا، إلزام الاحتلال بوقف جرائمه فورًا، وفتح مسارات محاسبة عادلة في المحاكم الدولية عن الانتهاكات التي طالت المدنيين والبنى التحتية على مدار عقود من الاحتلال والحصار والتهجير.
ثانيًا، رفع الحصار عن قطاع غزة وإطلاق عملية إعمار شاملة تحت إشراف دولي، تضمن وصول المساعدات ومواد البناء، بعيدًا عن سياسة الابتزاز السياسي أو الأمني التي عطّلت إعمار القطاع مرارًا.
ثالثًا، الاعتراف الكامل وغير المشروط بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، ودعم انضمامها الكامل إلى الأمم المتحدة، باعتبار ذلك جزءًا من مسؤولية المجتمع الدولي في تصحيح الظلم التاريخي الواقع على الفلسطينيين.
رابعًا، تفعيل آليات حماية دولية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، بما يضمن وقف الاعتداءات اليومية للمستوطنين وجيش الاحتلال، وتوفير بيئة سياسية واقتصادية تسمح للفلسطينيين بممارسة حياتهم الطبيعية وحقوقهم الوطنية.
خامسًا، دعم مسار المصالحة الفلسطينية بوصفه ركيزة أساسية لأي مشروع تحرري. فالشعب الفلسطيني بحاجة إلى وحدة وطنية حقيقية تُعيد الاعتبار لتمثيله السياسي وتخرج قراره الوطني من دائرة التجاذبات الإقليمية وضغوط الاحتلال.
إن اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ليس مجرد محطة سنوية، بل دعوة مستمرة لتذكير العالم بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية، وبأن السكوت عن الظلم جريمة لا تقلّ فداحة عن ممارسته. لقد آن الأوان ليتحوّل التضامن إلى عمل، والبيانات إلى إجراءات، والخطابات إلى سياسات فاعلة تفتح الطريق أمام تحقيق السلام العادل والشامل.
يبقى الفلسطيني، رغم كل الجراح، حاملًا لرسالة الحرية والكرامة، مؤمنًا بأن حقه لا يُمنح منّة، ولا يُساوم في سوق السياسة، وأن نضاله المستمر هو تعبير عن إرادة شعب يريد أن يعيش حرًا على أرضه، آمنًا في وطنه، كريمًا في دولته المستقلة.
هذه مسؤولية العالم، قبل أن تكون حلم الفلسطيني.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة