عمر نشابة
لا يحقّ لجيش العدو الإسرائيلي قانونياً استهداف مقاومين من حزب الله داخل الأراضي اللبنانية بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه في تشرين الثاني 2024 لأن الاتفاق ينصّ على وقف العمليات العدائية. ولا يحق للإسرائيلي استهداف القرى والبلدات وخطف الناس واقتيادهم إلى جهات مجهولة وإخفاؤهم.
القانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيف) يسمح بأسر المقاتلين فقط أثناء نزاع مسلح فعّال. ولا شك أن أي دخول لقوات عسكرية إسرائيلية إلى لبنان لأسر أفراد يعدّ عملاً عدائياً جديداً وليس ضمن «عمليات القتال» التي سبقت وقف إطلاق النار. إنّ الدخول إلى الأراضي اللبنانية واعتقال أشخاص يعدّ انتهاكاً للسيادة وعدواناً مسلحاً وفقاً للمادة 3 من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 3314 (1974).
لكن لم يقتصر الأسر والخطف الإسرائيلي على بعض المقاتلين من حزب الله بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، بل شمل خطف مدنيين كانوا يحاولون العودة إلى منازلهم أو كانوا يقومون بأعمالهم اليومية.
علي ناصر يونس (1992) وخاله فؤاد حبيب قطايا (1982) يعملان في تركيب الألمنيوم والخشب واختطفا في وادي الحجير في 19 كانون الأول 2024 بينما كانا في طريقهما إلى ورشة في بلدة شقرا؛ أمّا حسن أحمد حمود (1985) فخطفه الجيش الإسرائيلي من منزله في الطيبة الساعة الخامسة فجراً يوم 27 كانون الثاني 2025 ثم أضرموا النار في المنزل؛ أمّا محمد علي جهير (1991) فهو صياد سمك خطفوه من مركبه في بحر الناقورة في 2 شباط 2025؛ ومرتضى حسن مهنا (1983) موظف في بلدية مارون الراس عاد إلى منزله على أطراف بلدة بنت جبيل من جهة مارون الراس ليتفاجأ بدخول دورية إسرائيلية تقتحم منزله وتختطفه في 16 شباط 2025، وُجدت آثار دماء داخل المنزل وبقي مصيره مجهولاً إلى الآن.
كما خطف العدو الإسرائيلي ماهر فراس حمدان وعلي محمد فنيش وعلي حسان ترحيني وحسين أمين كركي وعماد فاضل أمهز ومحمد عبد الكريم جواد وإبراهيم منيف خليل ويوسف موسى عبدالله وحسين علي شريف ووضاح كامل يونس وحسن عقيل جواد وهادي مصطفى عساف وعبدالله خضر فهدة وعلي قاسم عساف وحسن يوسف قشقوش وعلاء فارس، وغيرهم ربما، إذ إن هناك عشرات المفقودين (يفوق عددهم 60 شخصاً) لا نعرف حتى اليوم مصيرهم. هل هم أسرى على قيد الحياة يخفيهم العدو الإسرائيلي في سجونه ومعتقلاته أم أنهم استشهدوا وقام العدو بسرقة جثثهم؟
يمكن استخدام المفاوضات غير المباشرة الجارية وإطلاق دفعات من المعتقلين مقابل ترتيبات أمنية وإعادة جثامين أو مفقودين مقابل تسليم أسلحة غير منفجرة مثلاً
طلب ذوو المخطوفين والأسرى من بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان الحصول على معلومات عن مكان وجودهم وعن أوضاعهم الصحية لكن لم يحصلوا على أي جواب لأن جيش العدو الإسرائيلي يرفض تزويد الصليب الأحمر بهذه المعلومات.
ما العمل؟ وكيف يمكن أن تتحرّك الدولة اللبنانية للحصول على معلومات بشأن المخطوفين والأسرى وتحريرهم من سجون التعذيب ومعتقلات القهر التابعة للعدو الإسرائيلي في فلسطين المحتلة؟
يفترض، أولاً، أن تطلب الدولة من الصليب الأحمر الحصول على لوائح رسمية بأسماء كل اللبنانيين المحتجزين لدى السلطات الإسرائيلية ومناشدة العاملين في الصليب الأحمر إجراء زيارات دورية للسجون الإسرائيلية للتحقق من وضع الأسرى. ولا بد من طلب معلومات دقيقة عن المفقودين الذين يُشتبه باحتجازهم.
ثانياً، يمكن تقديم شكاوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ومجموعة العمل المعنية بالاعتقال التعسفي ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان. كما يفترض أن تطلب الدولة من «اليونيفيل» مراقبة أي عمليات اعتقال عبر الحدود وتوثيقها رسمياً.
ثالثاً، يمكن استخدام المفاوضات غير المباشرة الجارية وإطلاق دفعات من المعتقلين مقابل ترتيبات أمنية وإعادة جثامين أو مفقودين مقابل تسليم أسلحة غير منفجرة مثلاً (يطالب الأميركيون باسترداد الصاروخ GBU29 الذي استخدم لقصف ضاحية العاصمة بيروت يوم 23 تشرين الثاني الفائت).
رابعاً، يمكن تحريك الملف أمام المحاكم الدولية علماً أن المسار القضائي قد يستغرق وقتاً طويلاً لكن يمكن أن يُشكّل ضغطاً على العدو الإسرائيلي. ويمكن مثلاً اللجوء إلى الآليات التعاقدية لاتفاقية مناهضة التعذيب حيث يمكن للبنان تقديم بلاغات رسمية حول سوء المعاملة أو الإخفاء القسري. هذه المسارات قد لا تؤدّي إلى إطلاق الأسرى مباشرة، لكنها تُرغم العدو الإسرائيلي على الاعتراف والردّ ونشر معلومات عن الأسرى والمخطوفين.
خامساً، لا بدّ من التدويل الإعلامي والحقوقي حيث يمكن أن تنظّم الدولة اللبنانية بالشراكة مع الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان حملة حقوقية دولية عبر: الصحافة الأجنبية والبرلمانات الأوروبية وحملات عريضة حول «المفقودين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية».
سادساً، لا مفرّ من التنسيق الرسمي مع حزب الله بما أن عدداً من الأسرى هم مقاتلون في الحزب. ويجري التنسيق بهدف جمع ملف موحّد لكل الأسرى (مدنيين + مقاتلين) وتثبيت أن الأسرى هم «أسرى نزاع مسلح» وليسوا «معتقلين جنائيين»، إذ إن ذلك يمنح الملف قوة قانونية أكبر.
سابعاً، يمكن لوزارة الخارجية اللبنانية استدعاء سفراء الدول الداعمة لإسرائيل وتخفيض مستوى العلاقات الديبلوماسية، واستخدام الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي للضغط على الإسرائيليين وحلفائهم من أجل تحديد مصير الأسرى والمفقودين. علماً أن هذه الأساليب لا تُعيد الأسرى مباشرة لكنها ترفع الكلفة السياسية على العدو الإسرائيلي.
في الخلاصة، يمكن للدولة اللبنانية أن تتحرّك عبر ثلاثة مسارات متوازية: (1) المسار الإنساني، (2) والمسار السياسي، (3) والمسار القانوني. لكن تنقصها الإرادة والإخلاص لواجباتها ومسؤولياتها تجاه مواطنين لبنانيين يتعرّضون للتعذيب في كل لحظة في سجون ومعتقلات العدو الإسرائيلي.