تعكس أرقام ضحايا المتواترة يومياً في قطاع غزة عمق المأساة الإنسانية التي يعيشها المواطنون تحت نارة الإبادة الإسرائيلية التي تترافق مع حصار مطبق بمنع وصول المساعدات الإنسانية الغذائية والدوائية، ما يجعلهم بين حدي الموت جوعًا وحرمانًا من التداوي.
ففي ليلة دامية ومرعبة جديدة، استشهد 106 فلسطينيين، فجر اليوم الأحد، جراء غارات إسرائيلية مكثفة على مناطق متفرقة بقطاع غزة في تصعيد إسرائيلي لحرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ أكثر من 19 شهرا.
وارتكب جيش الاحتلال خلال الليل وساعات الفجر عددا من المجازر جراء استهداف الطيران الحربي لعدة منازل مأهولة، وفق ما كشف المدير العام لوزارة الصحة في غزة منير البرش.
وقال البرش إن جيش الاحتلال قتل منذ الفجر 106 فلسطينيين، مشيرا إلى أن الرقم قابل للزيادة نظرا لوجود جرحى ومفقودين بأعداد كبيرة.
وأضاف أنه باستشهاد 106 فلسطينيين منذ فجر الأحد، يرتفع عدد شهداء القصف الإسرائيلي المكثف على أنحاء القطاع خلال آخر 24 ساعة إلى 153 فلسطينيا.
وشدد البرش على أن جيش الاحتلال يمارس الآن أعتى أنواع التطهير العرقي والإبادة الجماعية، ويقتل الفلسطينيين في شمال غزة وجنوبها مستهدفا منازل مدنية وعائلات بأكملها.
وأكدت مصادر طبية أن أسرا كاملة مسحت من السجل المدني جراء القصف الإسرائيلي على منازلهم، فيما تم تفجير عدد من الروبوتات المفخخة في مناطق ببيت لاهيا وأنحاء أخرى من شمال القطاع.
ونقلت وكالة الأناضول عن شهود عيان، أن عشرات الغارات العنيفة من الطيران الحربي الإسرائيلي على حي تل الزعتر شرق مخيم جباليا، استهدفت بنايات ومنازل مخلاة، ما تسبب بأضرار مادية كبيرة طالت مستشفى العودة القريب.
وكثّف جيش الاحتلال خلال الأيام الخمسة الماضية وتيرة الإبادة الجماعية في قطاع غزة وارتكبت عشرات المجازر المروعة، وذلك بالتزامن مع جولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المنطقة والتي وعد خلالها فلسطينيي غزة بـ”مستقبل أفضل وإنهاء الجوع”.
تعطل المستشفيات
ومع تكثيف الاحتلال اليوم استهدافه للمستشفيات، أعلنت وزارة الصحة بغزة، أن جميع المستشفيات العامة في محافظة شمال قطاع غزة أصبحت خارجة من الخدمة.
وأكدت أن الاحتلال دمر مستشفيي بيت حانون وكمال عدوان وإخراج المستشفى الإندونيسي شمالي القطاع من الخدمة.
وصباح اليوم، قالت وزارة الصحة في غزة إن الاحتلال الإسرائيلي يكثف من استهداف ومحاصرة المستشفى الإندونيسي شمالي قطاع غزة منذ فجر اليوم الأحد بعد إخراج مستشفى غزة الأوروبي عن الخدمة قبل أيام.
وقالت إنّ حالة من الذعر والإرباك تسيطر على المرضى والجرحى والفرق الطبية، مما يعيق تقديم الرعاية الصحية الطارئة.
وأشارت إلى إصابة اثنين من المرضى أثناء محاولتهما الخروج من المستشفى، مؤكدة أن محاصرة المستشفى تمنع وصول المصابين مع تزايد ما يتعرض له شمال قطاع غزة من مجازر.
ولفتت إلى أنّ الاحتلال يكثف من حملته الممنهجة لاستهداف المستشفيات وإخراجها عن الخدمة، مناشدا الجهات المعنية التدخل لتوفير الحماية.
نقص بوحدات الدم
ومن جهته، ناشد مجمع الشفاء الطبي والمستشفى الأهلي المعمداني في غزة المواطنين التبرع بالدم لإنقاذ حياة المصابين.
وتعليقا على استهداف الاحتلال للمستشفيات، قال المدير العام للمستشفيات بغزة للجزيرة، إن الاحتلال أخرج أكبر المستشفيات في القطاع عن الخدمة، وإن ممارسات الاحتلال في حق القطاع الصحي تؤدي إلى قتل المرضى والجرحى.
وأكد أن المجاعة في القطاع تؤدي إلى نتائج كارثية، وأن الأمراض تتفشى بين الناس.
وقال مدير المستشفى الإندونيسي مروان السلطان للجزيرة إن الاحتلال يضع المستشفى الإندونيسي الآن تحت حصار كامل، ويطلق النار على كل من يتحرك. وأكد أن طائرات الاحتلال استهدفت بالرصاص قسم العناية المكثفة، وأن الوضع أصبح كارثيا جراء هذا الاستهداف.
وأضاف أن المستشفى لم يعد يستطيع تقديم أي خدمة في شمال القطاع، متسائلا عن سبب استهداف المستشفيات حيث لا يوجد فيها سوى المرضى والطواقم الطبية. وطالب المؤسسات والمنظمات الدولية بـ”الضغط للسماح لطواقمنا بالعمل”.
من جهته، قال مدير مستشفى كمال عدوان صخر حمد للجزيرة، إن وضع المستشفيات في شمال القطاع كارثي، وإن المستشفى استقبلنا عشرات الجرحى. وأضاف لا يوجد تنسيق لإخلاء المستشفى وما يجري مجازفة.
من جانبه، قال مدير مستشفى العودة محمد صالحة، إن 10 غارات جديدة استهدفت مناطق محيطة بالمستشفى أدت لدمار وأضرار واسعة فيه. وأضاف للجزيرة “لا نية لدينا لإخلاء المستشفى وسنواصل تقديم الخدمات للمرضى”.
الدفاع المدني يحذر
وفي تطرو آخر، أعلن الدفاع المدني بغزة، عن توقف 75 % من مركباته عن العمل في جميع محافظات قطاع غزة نظرا لعدم توفر الوقود.
وأكد الدفاع المدني أن مركباته ستتوقف عن العمل خلال 72 ساعة، ولن تتمكن طواقمه من أداء مهامها إذا لم يصلها الوقود.
الساعة تدق باتجاه المجاعة
وفي الإطار، حذّر المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، من تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، مشدداً على أن “الساعة تدق باتجاه المجاعة”، في ظل استمرار الحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية.
وأكد لازاريني، في منشور عبر منصة “إكس”، أن “شعب غزة يموت، والمساعدات مكدسة خارج القطاع، فيما تقترب صلاحية المواد الغذائية والأدوية من الانتهاء.
ودعا المسؤول الأممي إلى رفع الحصار فوراً وفتح المعابر للسماح بوصول الإغاثة الإنسانية، قائلاً: “دعونا نؤدي عملنا، لا حاجة لإعادة اختراع العجلة، فالتخطيط المستمر يشتت الانتباه عن الفظائع على الأرض”.
وأشار إلى أن المجتمع الإنساني، بما في ذلك “أونروا”، يمتلك الجاهزية والخبرة الكافية للوصول إلى المحتاجين داخل القطاع فور السماح بالدخول.
وكانت الأمم المتحدة قد أكدت، في وقت سابق، أن المساعدات المخصصة لغزة متوقفة منذ أكثر من شهرين، رغم توفر الإمدادات عند الحدود، في ظل رفض الكيان الإسرائيلي السماح بإدخالها.
صدمة إنسانية
عبر رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا عن صدمته من الأخبار اليومية الواردة من غزة، كما اعتبر السيناتور الأميركي كريس فان هولن أن الولايات المتحدة متواطئة في الانتهاك الصارخ للقانون الدولي في القطاع المحاصر.
وقال كوستا في حسابه على منصة إكس إنه مصدوم من الأخبار اليومية الواردة من غزة، وقال إن المدنيين في غزة يتضورون جوعا والمستشفيات تُقصف مجددا ويجب أن يتوقف العنف.
وأضاف أن على الحكومة الإسرائيلية رفع الحصار فورا وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسريع ودون عوائق، وأشار إلى أن ما يحدث في غزة مأساة إنسانية حيث يتعرض شعب بأكمله لقوة عسكرية ساحقة وغير متناسبة وحيث ينتهك القانون الدولي بشكل ممنهج.
وأكد رئيس المجلس الأوروبي أن التوصل إلى وقف مستدام لإطلاق النار والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين الإسرائيليين في القطاع أصبحا أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
بدوره، حث السيناتور الأميركي كريس فان هولن على إدخال الطعام إلى غزة فورا، واتهم رئيس حكومة الاحتلال وحكومته بتجويع مليوني مدني فلسطيني.
وذكّر السيناتور بأن شاحنات الطعام تنتظر الدخول إلى غزة ولكنها مُنعت ومات أطفال بالفعل بسبب منع الغذاء عنهم. اعتبر أن الولايات المتحدة “متواطئة في هذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي في غزة”.
وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاما، وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل حوالي 2.4 مليون بالقطاع، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم، ويعاني القطاع مجاعة قاسية؛ جراء إغلاق تل أبيب المعابر بوجه المساعدات الإنسانية.
ومطلع مارس/ آذار الماضي، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة مصرية قطرية ودعم أمريكي، والتزمت به الحركة الفلسطينية.
وتنصل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من بدء مرحلته الثانية واستأنف الإبادة الجماعية بغزة في 18 مارس/ آذار الماضي، استجابة للجناح الأشد تطرفا في حكومته اليمينية، لتحقيق مصالحه السياسية.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت نحو 174 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.