آخر الأخبار

الله اليوم في فلسطين

1

أيهم السهلي

“رأيتُ اللهَ في غزة
يُؤَرجِحُ فوق نورِ ذراعِهِ طفلاً
إلى أَعلى..
ويمسحُ في سكونِ الليلِ
أَدمعَ أُمِّهِ الثكلى
رأيتُ اللهَ في الساحاتِ
يُغمِضُ أَعينَ القتلى
ويَسقي في مدافنهم
غصونَ الآسِ والدِّفلى”
الشاعر الفلسطيني يوسف الخطيب

بهذه البساطة يجب أن تكون الأمور، وأن يكون الوضع في كل مكان فيه فلسطيني، والأطفال لهم أهل يتوجب عليهم أن يعلّموا أولادهم سبب عدم تعيديهم. هل في الأمر مبالغة، ربما، لكن هذه المناسبة تشكّل فرصة هامة للشعب الفلسطيني، كي يتذكر أنه ضحية، ليست مقسّمة، بل واحدة، وإذا لم يتعاضد هذا الشعب، فسيكون كالخراف التي تذبح اليوم، وتنسى بعد حين، فلا يبق منها إلا بعض الأثر، وهذا الأثر ليس سوى ذكريات رومانسية، بات بعضنا يهواها.

ما سبق، لا ينطبق على الفلسطينيين فقط، على كل العالم، لأن توازن البشرية على المحك، والأمر ليس لأنه يعنينا نحن أبناء هذه المنطقة الخاضعة للحروب، ولتصفية الحسابات السياسية والاقتصادية والعسكرية في ما بينها، بل لأن المقتلة الفلسطينية في فلسطين، ممتدة منذ عشرين شهراً، من دون تمكّن أي حكومة أو سلطة في العالم من إيقافها.

هذه المقتلة التي بدأت عام 1948، ومنذ مئة عام بعد أن حسمت دول الاستعمار حروبها وتوازعت النفوذ في المنطقة، لن تتوقف إلا بحسم. لكن مع توقفها أو استمرارها، فإن فهم العالم يتخذ أبعاداً جديدة، هي التبرير للجريمة، ونعم حدث هذا من قبل في أماكن عدة، فالجرائم بحق الشعوب حدثت في التاريخ القريب والبعيد، بعضها عرفه العالم من كتب التاريخ، أما القضية الفلسطينية وشعبها، فهم أحياء في أماكن مختلفة من العالم، كضحايا رسميين لجريمة غربية بامتياز، مستمرة اليوم، وتعبر عن نفسها ليس بالسلاح فقط، بل بعدم قدرة «الأمم المتحدة» على اتخاذ قرار لوقف إطلاق النار في غزة، مع العلم أنه لو اتخذ في مجلس الأمن، ما كانت إسرائيل لتلتزم به، ورغم ذلك لم يتخذ، وأوقفته الولايات المتحدة، وأعطت توضيحات لأسباب رفضها.

لكل الأسباب المذكورة، ولغيرها أيضاً، ميزان البشرية مختل، وسيزداد اختلاله، وستؤدي المقتلة الفلسطينية إلى مزيد من الاختلال في العالم، هذه المرة لأنها تحدث ويراها الناس يومياً، ويتابعونها عبر الانترنت والشاشات، ويعرفون أرقام ضحاياها، ولمن يريد، أسماء المقتولين من نساء وأطفال وكبار سن ورجال، وممرضين وأطباء، وأساتذة وطلاب، وغير هؤلاء من البشر الذين ولدوا في فلسطين، تحديداً في غزة، ولاحقاً سنقول تحديداً في الضفة، ولاحقاً سنقول في الأراضي المحتلة عام 1948، وكنا قد قلنا في مخيمات لبنان، وفي مخيمات سوريا.

إذن الحدث المستمر، الذي يوجد من يؤيده في العالم من ناحية فعل القتل، بمبررات معينة تجد من يتفهمها ويتقبلها في العالم الأول والعالم الثالث وكل العوالم، سيتحول بفعل التوحش وتقبله وتبريره، إلى فعل في كل العالم، كيف، عندما يحدث أي اضطراب في أي مكان، سيكون هناك من يقوم بالفعل ذاته الذي يحدث في غزة، وسيجد من يبرره، وإن كانت الحرب في أوكرانيا مرتكز للتمييز والشرح، فإنها أيضاً مرتكز لتبرير استمرار القتل، واستمرار الاحتلال. هذا مع التمييز أن الحرب الأوكرانية فيها أطراف متكافئة، ولو نسبياً، بينما في فلسطين، فلا، ولن تكون القوة متكافئة إلا انطلاقاً من مفهوم الحرب الشعبية. ومع ذلك، فإن الإفراط الإسرائيلي في استخدام القوة حال دون هذا التوازن إلا في مواجهات محددة قام بها الفلسطينيون واللبنانيون واليمنيون.

هذا الإفراط في القوة، أدى فعلياً إلى مأساة إنسانية كبيرة في غزة، من غير الممكن تجنب التفكير فيها، كما من غير الممكن عدم إدخالها في معادلة الربح والخسارة، هذا مع اعتبار أن المفهومين جزء وليس كل من معادلة النصر والهزيمة. وعليه المأساة الإنسانية في قطاع غزة، فاقت كل تصور عن الوحشية الممكنة أو المتخيلة في القرن الحادي والعشرين، ولا أمل في فلسطين، إلا بالصمود والصبر، ولا فرج لفلسطين إلا بزوال الاحتلال بكل الوسائل الممكنة، ونجاة الفلسطينيين من الوحش المتربص بهم دائماً.
وكما بدأت هذه المادة بأن لا عيد للفلسطينيين، تنتهي، بأن لا عيد أصلاً في الأرض، فالعيد بعد عبادة، ومن عبد الله ولم ينظر إلى المظلومين في فلسطين، سقطت عبادته، وسقطت عنه الرحمة، فالله اليوم في فلسطين، يحضن أولاده، ويرفعهم إلى بيته، قبل أن يترك الأرض للقتلة والصامتين.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة