مازن كريّم
يشكّل ملف سلاح المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله)، أحد أبرز الملفات التي تثير جدلاً واسعاً في البلاد، لما له من تأثير مباشر على الأمن والسياسة في البلاد.
وتتداخل في هذا السياق ضغوط دولية وإقليمية متزايدة، تحاول ربط دعم لبنان بمطالب نزع السلاح، في حين يتمسّك الحزب بضرورة استمرار السلاح كجزء من الاستراتيجية الدفاعية، وسط مخاوف من أن يؤدي أي تصعيد في هذا الملف إلى تفاقم الانقسامات الداخلية وإعادة إشعال الصراعات.
العميد “زهوي”: تسليم سلاح المقاومة مستحيل.. ولبنان يفقد وزنه السياسي دونه
ورأى العميد الركن المتقاعد، نضال زهوي، في تصريح خاص لـ”قدس برس” أنّ “ملف تسليم سلاح حزب الله لا يزال مستحيلًا في ظل المعطيات القائمة، مؤكدًا أن المزاج العام في لبنان بات أكثر واقعية بعد أحداث سوريا، حيث لم تتمكن الدولة السورية رغم كل التنازلات من فرض سيطرتها الكاملة على الجنوب السوري بسبب العربدة الصهيونية، وهو ما ولّد خوفًا حقيقيًا لدى المجتمع اللبناني، سواء المؤيد للمقاومة أو حتى المعارض لها”.
واعتبر زهوي، أن “الضغوط الصهيو-أميركية على الدولة اللبنانية ما زالت قائمة، مشيرًا إلى أن أغلب أقطاب الدولة اللبنانية هم في خانة الولاء للولايات المتحدة، ولا تعنيهم المقاومة، ولم يُقدّم حتى الآن أي عرض تفاوضي جدّي من قبل واشنطن أو تل أبيب”.
وأشار إلى “وجود مبادرات من حزب الله منسقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، تقوم على قاعدة أن يقدّم الكيان الإسرائيلي مبادرة حسن نية مقابل خطوة محدودة، كأن يجري تسليم بعض الصواريخ التي أصبحت غير صالحة للاستعمال، كالصواريخ الروسية القديمة، وذلك في إطار كسب الوقت، لا أكثر”.
وفي الشأن العربي، لفت زهوي إلى أن “هناك رؤية لدى بعض الأطراف العربية بأن يُسلَّم الملف اللبناني إلى السلطة السورية الجديدة، مستدركًا بأن لبنان الرسمي يستمد ثقله السياسي من وجود سلاح المقاومة، وإذا زال هذا السلاح، زال معه الدور اللبناني”.
وأضاف أن “محاولات جرت سابقًا لتسليم لبنان إلى طرف سياسي مقابل الامتناع عن قتال الكيان الصهيوني، مشيرًا إلى أن الخطاب الأميركي بدأ يتراجع من مطلب الاستسلام الكامل إلى الحديث عن جداول زمنية، ما يشير إلى احتمال عودة الطروحات التي تتحدث عن تنظيم مسألة السلاح، لكن دون المساس بجوهره”.
وحول إمكانية وقوع صدام بين الجيش اللبناني والمقاومة، شدد زهوي على أن “هذا السيناريو غير وارد حاليًا، فعدم التوافق على آليات التعامل مع السلاح قد يؤدي إلى انقسام داخل الجيش وتفلت الأمور، ولذلك تحرص القيادات اللبنانية على تجنّب هذه المواجهة بأي ثمن”.
قصير: لا حديث عن تسليم سلاح حزب الله.. والحل بالحوار لا بالإكراه
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير، إن “موضوع سلاح “حزب الله” ليس مطروحًا اليوم في إطار تسليم أو نزع، بل في إطار الاستراتيجية الدفاعية أو الوطنية، وهو ملف خاضع للنقاش والحوار الوطني، لا للإكراه أو الفرض”.
وأكد قصير، في تصريح خاص لـ”قدس برس”، أن “الولايات المتحدة لم تقدم حتى الآن أي عرض جدي للبنان أو لحزب الله بشأن ملف السلاح، مضيفًا: “بل على العكس، واشنطن رفضت حتى الحديث عن ضمانات لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، وهذا ما ينسف أي نقاش جدي”.
وشدد قصير على أن “الدولة اللبنانية غير قادرة على نزع السلاح بالقوة، وقال: “لا يمكن معالجة هذا الملف بهذه الطريقة، بل بالحوار الداخلي وبمراعاة معطيات الواقع الميداني والسياسي”.
وحول ما يُطرح عن إمكانية مقايضة سلاح حزب الله بمشاركة أوسع في السلطة، نفى قصير وجود أي حديث في هذا الاتجاه حتى الآن، مشيرًا إلى أن “الملف أعقد من أن يُختزل بمقايضات سياسية داخلية”.
ورأى قصير أن “أي نقاش حقيقي حول مستقبل السلاح مرهون بـ”انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة ووقف الاعتداءات المتواصلة على لبنان، وإلا فلن تكون هناك أية خطوات عملية في هذا الاتجاه”.
وأضاف أن “الضغوط الدولية والعربية موجودة، لكن الجميع يعلم أن جوهر المشكلة ليس في سلاح حزب الله، بل في استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وتهديده للبنان والمنطقة”.
وختم بالقول: “المطلوب اليوم هو المزيد من الضغوط على “إسرائيل”، وليس على لبنان، إلى جانب الذهاب إلى حوار داخلي وطني جاد، وإلا فلن تُفتح أي آفاق للحل”.
الهاشمي: نزع سلاح حزب الله جزء من مشروع أكبر يستهدف محور المقاوم
بدوره، قال محمود الهاشمي، مدير “مركز الاتحاد للدراسات الاستراتيجية”، إن “الحديث عن نزع سلاح “حزب الله” لم يظهر إلا بعد سلسلة من العمليات التي استهدفت الحزب وقياداته، وصولًا إلى وقف إطلاق النار، ما فُسّر من قبل بعض الأطراف على أنه خسارة في المعركة تستوجب تسليم السلاح، وهو ما اعتبره الهاشمي قراءة خاطئة لطبيعة المواجهة”.
وأوضح الهاشمي، في تصريح خاص لـ”قدس برس”، أن “الحزب ومعه محور المقاومة لا يرى المعركة منتهية، بل يعتبرها جولات متواصلة، وقد تضرر فيها الطرفان”.
وأضاف: “حزب الله لا يقرأ المعركة كما يقرؤها الآخرون، بل وفقًا لرؤية شاملة ترتبط بالميدان اللبناني، والساحة الفلسطينية، والواقع الإقليمي، بما فيه التغيرات في الداخل الإسرائيلي والغربي”.
وأشار الهاشمي إلى أن “حزب الله يدرك أنه جزء من منظومة المقاومة الممتدة من إيران إلى العراق وسوريا واليمن وغزة، ويعمل ضمن غرفة عمليات موحدة، ويرى في الاحتفاظ بالسلاح جزءًا من عقيدته ومشروعه لتحرير فلسطين، وليس مجرد خيار تكتيكي”.
وأكد أن “الحزب لا يعوّل على الوعود أو الامتيازات السياسية والإدارية التي قد تُعرض عليه، مشددًا أن المنجزات لا تُمنح بل تُنتزع، على حد تعبيره، مشيرًا إلى أن الحزب لا يثق بالأميركيين، ويعلم أنهم يفاوضونه مادامت بندقيته في يده، فإذا سلمها، انقلبوا عليه”.
وفي ما يتعلق بالضغوط الدولية، قال الهاشمي إن “واشنطن غير قادرة على ترويض “إسرائيل”، وإن جولات مبعوثيها تهدف فقط إلى الضغط على الشارع اللبناني، ليبدو وكأن نزع سلاح حزب الله مطلب داخلي وليس خارجي”.
واتهم الهاشمي “بعض الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، بأنها شريك في مشروع نزع سلاح المقاومة، لأنها تسعى إلى إدارة المنطقة بالتحالف مع الكيان الصهيوني، مضيفًا أن المال السياسي يلعب دورًا مركزيًا في هذا المشروع”.
وحول الملف السوري، قال الهاشمي إن “المراهنة على سوريا كورقة ضغط على الحزب كانت فاشلة، وقد أثبتت السنوات أن الحسابات الإقليمية معقّدة، وأن ما كان يراهن عليه البعض انقلب ضدهم”.
ورأى أن “الشعب اللبناني، رغم وجود ضغوط داخلية، لا يزال يرى في سلاح الحزب جزءًا من قوة لبنان الدفاعية، مؤكدًا أن لولا هذا السلاح، لكانت “إسرائيل” قد فعلت بلبنان كما فعل التتار”.
وختم الهاشمي بالإشارة إلى أن “دعوات نزع السلاح لا تستهدف حزب الله فقط، بل تطال أيضًا إيران والعراق واليمن، وأن ما يجري هو جزء من معركة كبرى لم تنتهِ، لافتًا إلى أن المقاومة في غزة لا تزال تفاوض بالثوابت نفسها، ما يؤكد أن المعركة مستمرة”.
ويبقى ملف سلاح حزب الله من أكثر الملفات تعقيدًا وحساسية في المشهد اللبناني، إذ يتقاطع فيه البُعد الأمني مع السياسي والإقليمي، في ظل واقع يشهد ضغوطًا دولية متصاعدة ومحاولات لتسوية تحاول ربط الدعم للبنان بنزع السلاح.
ووسط هذه المتغيرات، تبدو الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات، لكن الإجماع بين المراقبين والمحللين هو أن أي حل لا بد أن يمر عبر حوار وطني شامل يراعي المعطيات المحلية والإقليمية، ويراعي في الوقت ذاته حساسية الموازين الأمنية اللبنانية، تجنبًا لأي انفجار قد يعيد لبنان إلى أتون صراعات دامية.