آخر الأخبار

غزة .. مدينة عريقة أهلها يتشبثون بها في مواجهة الخراب الإسرائيلي

7-2

بين الركام والخراب الذي خلفته آلية الحرب والدمار الإسرائيلية في مدينة غزة، ينزرع مئات آلاف المواطنين الفلسطينيين، يترقبون بقلق وإيمان ما يمكن أن تفضي إليه تهديدات الاحتلال باجتياح المدينة وتدميرها، ولسان حالهم يقول عانينا أشهرا من ويلات النزوح والقصف ويرفع أغلبهم نداء باقون ولن نرحل.

في المدينة التي تعج بنحو مليون إنسان، تجول مراسل المركز الفلسطيني للإعلام، ليرصد ملامح القلق والترقّب، الممزوجة بيقين التوكل والإصرار على التجذر في الأرض، الذي عبرت عنه مسنة بقوله: هم يقتلوننا كل يوم، أين نذهب؟ لا خيار أمامنا إلا أن نبقى قرب بيوتنا المدمرة.

خطة إجرامية

في 8 أغسطس الماضي، أعلنه مكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، موافقة المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) على خطة إجرامية تشمل “الاستعداد للسيطرة على مدينة غزة، مع ضمان تقديم المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين خارج مناطق القتال”.

ووفق الإعلان، تتضمن الخطة خمسة مبادئ أساسية من بينها فرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية على كامل قطاع غزة، وإنشاء إدارة مدنية بديلة لا تتبع لا “حماس” ولا السلطة الفلسطينية.

وبعد ثلاثة أيام بدأ الاحتلال التوغّل في أطراف حي الزيتون وحي الصبرة، حيث تحوّلت هذه الأحياء إلى مناطق مغلقة بالكامل، وسط قصف ونسف عنيف طال أكثر من 400 منزل ومجازر دامية.

وامتدت عمليات التدمير والعدوان لتشمل أيضا حي الصبرة جنوبا والشجاعية شرقا، إلى جانب القصف العنيف على منطقة الصفطاوي شمالا، فيما يتجمع النازحون في نطاق ضيق غرب المدينة ووسطها وجزء من شمالها.

المشهد العام في مدينة غزة اليوم لا يشبه أي يوم مضى، الساحات والشوارع مكتظة بالنازحين، لكن لا حركة نزوح نحو الجنوب، بل حالة من الحيرة الثقيلة، والترقب القاتل.

الجميع يترقب: هل سيبقى في بيته أو بقايا بيته الذي قد يتحول في أية لحظة إلى ركام، أم يتركه ليصير مجرد ذكرى لا عودة إليها؟ العيون شاردة، الأحاديث مقتضبة، والقلوب تخفق بإيقاع أسرع من أصوات القصف نفسها.

حي الزيتون، أحد أكبر أحياء غزة وأكثرها اكتظاظًا، يعيش تحت عزلة نارية خانقة.

الأخبار التي تتسرّب من هناك، عبر شهود استطاعوا الوصول إلى أطرافه، تتحدث عن دمار واسع، عن منازل سقطت فوق أصحابها، وعن عائلات لا تزال محتجزة داخل الأزقة بلا ماء ولا إمدادات إغاثية.

وفي حي الصبرة، الصورة تكاد تكون مطابقة: أصوات الرصاص والقصف تتردّد من الداخل، بينما السكان المحاصرون يتمسّكون ببيوتهم، غير قادرين على الرحيل، وغير قادرين على الاطمئنان إلى بقائهم.

مدينة غزة بأكملها تعيش على حافة زمن مهدد، المستشفيات بالكاد تواصل عملها وسط شحّ الأدوية وتزايد عدد الجرحى، وسط كارثة إنسانية تتفشى وتتعمق، ومراكز الايواء لا تزال مكتظة منذ أسابيع.

لن نترك بيوتنا

ورغم ذلك، فإن الناس لم يغادروا بعد، كأنهم يرفعون صمودًا صامتًا في وجه التهديد: “لن نترك بيوتنا أو ما تبقى من بيوتنا أو خيامنا”.

الأجواء هنا مشبعة بالدراما الإنسانية الحقيقية: أصوات الانفجارات تتردّد في الأفق، يتبعها صمت ثقيل كأن المدينة كلّها تحبس أنفاسها.

في كل شارع، ترى رجالًا يقفون عند مداخل بيوتهم وخيامهم وأحياءهم متشبثين بما تبقى، نساءً يحاولن إخفاء دموعهن عن أطفال يراقبون المشهد بعيون واسعة، وشبابًا يتبادلون الأخبار والشائعات كأنها حبل نجاة وحيد.

الاحتلال يلوّح باجتياح شامل، وأهل غزة يردّون بالانتظار العنيد، ليس لأنهم لا يعرفون حجم الخطر، بل لأنهم يعرفون أن الرحيل يعني اقتلاع الجذور، وأن البقاء – رغم القصف – هو آخر خيطٍ يربطهم بالأرض والبيت والذاكرة.

من هنا، من قلب مدينة تُحاصرها النيران وتثقلها التهديدات، يمكن القول إن غزة لا تقف على أطراف الخوف فقط، بل تواجه اختبارًا وجوديًّا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

هي مدينة تمشي على حدّ السيف: إما أن تُمحى من خريطتها الحيّة، أو أن تكتب فصلاً جديدًا في سجل صمودها.

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة