آخر الأخبار

«الأونروا» تبتزُّ اللاجئ الفلسطيني في هويته؟

12-4-COPY-24-803x600

إبراهيم مرعي

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً واستدعت طرح عدد من التساؤلات، عدّلت الوكالة «الأونروا» في لبنان المناهج الدراسية في مدارسها، بما يتجاوز الاعتبارات التعليمية، إلى ما يمسّ الهوية الفلسطينية نفسها. إذ استبدلت كتيّباً دراسياً لطلاب الصف الأول الابتدائي، بكتيّب آخر مختلف تماماً من حيث المحتوى. والكتيّب المُستبدل كان يضمّ فصلاً عنوانه «أنا ووطني»، يحتوي على رموز فلسطينية أساسية، مثل: علم فلسطين ومفتاح العودة وصورة حنظلة.

«الأونروا» برّرت خطوتها بأنها تهدف إلى محاربة التعصب السياسي وضمان حيادية التعليم، ما يطرح إشكالية حقيقية تتعلق بمفهوم الحياد نفسه، لدى الوكالة. فالحياد لا يعني إلغاء الهوية الثقافية، بل الامتناع عن الانحياز السياسي في النزاعات. لذا، فإن محو الرموز الفلسطينية ليس حياداً، وإنما إلغاء لهوية شعب بأسره. فالتعليم لا يقتصر على نقل المعرفة، بل هو أداة لتشكيل وعي الأجيال وبناء شخصياتهم. ووفقاً لما ينص عليه إعلان حقوق الطفل (المادتين 29 و30)، يجب على التعليم أن يعزز فهم الطفل لثقافته وهويته. ومع إزالة هذه الرموز، تكون «الأونروا» قد حرمت الجيل الفلسطيني الجديد مما يربطه عاطفياً بوطنه المُحتَل، بما يُضعف ارتباطه بالقضية الفلسطينية، وبالتالي نضاله لأجلها.

هذه الخطوة تتناقض أيضاً مع قرار الأمم المتحدة الرقم 302، الذي أُنشئت «الأونروا» بموجبه في عام 1949. فالقرار يشدد على حفظ كرامة اللاجئ الفلسطيني وحماية هويته الثقافية. والخطوة تتعارض كذلك مع قرار حق العودة الرقم 194 الذي ينص على حق الفلسطينيين في العودة، ويؤكد على حفظ هويتهم. كل ذلك يجعل تحجج «الأونروا» بالحياد، غير ذي معنى، كون المس بما يتعلق الهوية، يتناقض مع الالتزامات القانونية الدولية.

التحديات المستقبلية: أسئلة مفتوحة

التعديلات التي أجرتها «الأونروا» تفتح باباً واسعاً أمام التساؤلات بشأن مستقبل القضية الفلسطينية على مختلف الأصعدة، ومنها: هل تسعى الوكالة إلى إعادة تعريف الفلسطينيين عبر محو الرموز الثقافية، وبالتالي تغيير تعريف اللاجئ الفلسطيني؟ كيف يمكن للجيل الفلسطيني الجديد أن يحافظ على هويته في ظل هذه المحاولات لتغيير ثقافته؟ هل هذه التعديلات جزء من مشروع سياسي أكبر؟ هل يتم استخدام هذه التعديلات في إطار صفقات سياسية إقليمية؟ وهل أصبحنا أمام معادلة «الثقافة مقابل التمويل»، في ما يشبه المعادلة التي فُرضت على العراق في تسعينيات القرن الماضي، أي «النفط مقابل الغذاء»؟

دعوة للتغيير والمحاسبة

على «الأونروا» أن تدرك أن الحفاظ على الهوية الفلسطينية ليس مجرد خيار، بل هو حق لا يُمَس. والشعب الفلسطيني لن يقبل أن يُمَسَّ في تاريخه أو هويته تحت أي مسمى. كما إن الحياد لا يعني إلغاء الهوية الثقافية، بل الاحترام الكامل لها.
إن المسؤولية الآن تقع على عاتق الوكالة لإعادة النظر في هذه التعديلات، واتخاذ موقف حاسم وشفاف في ما يتعلق بالحفاظ على ثقافة الشعب الفلسطيني وكرامته. وعلى الفلسطينيين أن يستمروا في المطالبة بالحفاظ على حقوقهم الثقافية والتعليمية، من دون مساومة أو تنازل.

* متخصص في الشؤون الفلسطينية

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة