بمناسبة الزيارة المرتقبة التي سوف يقوم بها غدا الخميس نائب الرئيس الأمريكي جيمس ديفيد فانس ( (JD David Vanceالى كنيسة القيامة في القدس القديمة فقد وجه سيادة المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس هذه الرسالة المفتوحة له مع التمنيات ان تصل اليه وان يسمع الصوت المسيحي الفلسطيني الذي يجب ان يسمعه.
وقد جاء في الرسالة ما يلي:
سوف تزور كنيسة القيامة يوم غد وسوف ترى امامك ابوابا مفتوحة اذ ان كنيسة القيامة دائما وابدا كانت مفتوحة أبوابها لكل زائريها بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية او العرقية او لون بشرتهم .
فالمحبة التي نتمسك وننادي بها هي تلك التي نادى بها من انتصر على الموت بقيامته وذلك في المكان الذي سوف تزوره يوم غد .
اخاطبك بلغة المحبة والايمان والإنسانية وليس بلغة السياسة والمصالح التي سوف تسمعها من السياسيين الإسرائيليين التي ستلتقي معهم ، فنحن لسنا سياسيين ولن نكون ولكننا نؤمن بقيم الحق والعدالة ونصرة المظلومين ونتمنى ان تؤدي زيارتك الى القبر المقدس الى ان تنال بعضا من النور الذي بزغ من هذا القبر الفارغ لكي يبدد ظلمات هذا العالم.
ان هنالك حكاما في هذا العالم قد اعمت المصالح بصرهم وبصيرتهم وهم يغضون الطرف عن المظالم التي تعرض وما زال يتعرض لها شعبنا الفلسطيني وفي المقدمة منهم الرئيس الأمريكي الذي انت هو نائبه وانتم تتباهون بمسيحيتكم ولكن من يسمع تصريحاتكم ومواقفكم يكتشف ويلحظ انكم بعيدون عن المسيحية وانتم موجودون في مربع لا علاقة له بالقيم المسيحية التي تحثنا دوما على نصرة المظلومين والمعذبين .
ليس الهدف من رسالتي هذه ان ادينك فهذا ليس من مسؤولياتنا لان هنالك ديانا عادلا في السماء وهو الذي سنقف امامه في وقت من الأوقات عندما سيسأل كل واحد منا ماذا فعلت بأخيك؟
ان رسالتي هذه هدفها تذكيرك وانت تزور اقدس مكان مقدس للمسيحيين في العالم بواجباتك المسيحية والأخلاقية والإنسانية، وهي ان ترفض الظلم والاستبداد والاحتلال والقمع.
كيف يمكن لانسان مسيحي ان يتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني وخاصة ما حدث خلال العامين المنصرمين في غزة حيث حرب الإبادة.
ستبقى في القدس لمدة ثلاثة أيام ولم نسمع ان برنامجك تضمن لقاء مع شخصيات فلسطينية لكي تسمع ما يقوله الفلسطينيون عن انفسهم وليس ما يقال عنهم من الجانب الإسرائيلي الذي كرست كل زيارتك للقاءهم وسماع ما يقولونه لك.
لا يعقل ان تأتي الى القدس والى فلسطين دون ان تسمع ما يقوله الفلسطينيون عن معاناتهم وآلامهم وهواجسهم وما يقوله المسيحيون الفلسطينيون بنوع خاص حيث انك ستزور كنيستهم المباركة والمجيدة يوم غد ولكي يبدو انك ستكون محاطا برجال الامن منعا لكي لا تسمع من احد اي كلام قد يزعجك ويزعج الجهة التي تستضيفك.
سيتواجد في كنيسة القيامة عدد من رؤساء الكنائس والاباء والرهبان والذين سيقولون لك بصريح العبارة بأن القدس متعطشة للسلام وبلادنا المقدسة أيضا متعطشة للسلام ولكن السلام الذي ننادي به هو السلام المبني على العدالة واحترام حقوق الانسان.
ما اود ان أقوله لك بأنه ليس من صلاحياتك ان تتجاهل وجود الشعب الفلسطيني ومن المحزن والمؤلم انك اتيت الى هذه الديار المقدسة من اجل هدف غير مقدس وهو الانحياز للاحتلال وسياساته وممارساته الظالمة بحق الشعب الفلسطيني.
اشبعتمونا خطابات عن السلام ولكنكم لم تفعلوا شيئا من اجل السلام لا بل تجاهلتم الحقوق والثوابت الفلسطينية وعندما عاش الفلسطينيون نكبتهم الجديدة خلال العامين المنصرمين في غزة المنكوبة والمكلومة كنتم داعمين ومؤازرين وبأسلحتكم قتل الكثيرون من الفلسطينيين مما جعلكم شركاء في هذه الجريمة المرتكبة بحق شعبنا.
أتمنى ان يكون دخولك الى كنيسة القيامة عاملا لكي يتغير شيء في شخصيتك نحو ما هو افضل وما هو احسن خاصة انك تقول انك مسيحي فأتمنى ان تلامس نعمة القبر المقدس وبركة الجلجلة حياتك وفكرك لكي تكون اكثر عدلا وإنسانية ونحن نصلي من اجلك ومن اجل حكام وجبابرة هذا العالم الذين فقدوا انسانيتهم لكي تعود اليهم انسانيتهم التي فقدوها وتكون بوصلتهم في الاتجاه الصحيح .
ما يجب ان تسمعه هو الذي لن تسمعه اطلاقا خلال زيارتك من اصدقاءك الإسرائيليين وهو ان فلسطين موجودة وشعبها موجود وقضيتها هي قضية حية يتبناها الكثيرون في هذا العالم وخاصة في أمريكا التي خرجت فيها المظاهرات والمسيرات المنددة بسياسة الرئيس الأمريكي.
ان السياسة الامريكية لم توصلنا الا الى الدمار الشامل ليس فقط في فلسطين بل في سائر ارجاء العالم والإدارات الامريكية المتعاقبة لعبت دورا تدميريا في اكثر من مكان وبقعة في هذا العالم حيث كانت تصب الزيت على النار المحترقة لكي تزداد اشتعالا وتخلف دمارا وخرابا ومآس إنسانية .
المسيحيون الفلسطينيون وشعبنا كله يناديك وانت تدخل الى البلدة القديمة من القدس بحراسة إسرائيلية مشددة بأنهم يتمنوا منك ومن رئيسك بأن تكونوا اكثر عدلا وانصافا.
هل تعلم ان كنيسة القيامة التي سوف تزورها غدا وكذلك المسجد الأقصى ومدينة القدس كلها يمنع الفلسطينيون من الوصول اليها ، فأنت عبرت المحيطات لكي تصل الى القدس ولكن الفلسطيني الذي يبعد عن القدس نصف ساعة بسيارته لا يمكنه الوصول الى المدينة المقدسة ، اذ ان هنالك الحواجز والبوابات والاسوار العسكرية التي تقف له بالمرصاد .
هل تعلم ان حرب الإبادة في غزة خلفت دمارا هائلا وكارثة ومأساة لا يمكن ان يتصورها عقل بشري وكل هذا بمباركة الإدارة الامريكية ومن معها .
ادعوكم لكي تغيروا سياساتكم بشكل جذري في منطقتنا فالسلام الذي نريده جميعا لا يمكن ان يكون من خلال دعم إسرائيل ودعم حروبها وسياساتها الاجرامية بحق الشعب الفلسطيني، فالسلام يبنى على العدالة وعلى احترام وصون حقوق الانسان، فلا يمكن للسلام ان يكون على انقاض الشعب الفلسطيني ومن خلال التآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
ان رئيسك عندما زار القدس وشرم الشيخ قبل عدة أيام لم يتطرق الى فلسطين اطلاقا وكأنها ليست موجودة على الخارطة ولكنها في الواقع موجودة على الخارطة وليست موجودة في عقله وفي فكره المشوه بفعل اللوبي الصهيوني المسيطر على الحكم في الولايات المتحدة.
يقولون لنا ان أمريكا هي واحة الديمقراطية والحرية ولكنها ليست كذلك فعندما يسيطر اللوبي الصهيوني العنصري على الحكم وهم الذين يوجهون السياسات والمواقف هذا يعني ان أمريكا تعاني من احتلال مبطن حتى وان ادعت انها واحة الديمقراطية والحرية والدفاع عن حقوق الانسان .
ان موقفك من الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة هو الذي يجعلنا نحدد هل انت مسيحي ام غير ذلك ، فعد الى انسانيتك والى مسيحيتك الحقة ولا تتجاهل المظالم التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني ولا تتجاهل معاناة هذا الشعب وسعيه من اجل ان يعيش بحرية وكرامة وسلام .
نعم نحن مع السلام ونصلي من اجل السلام وغدا ستستمع الى الإباء في كنيسة القيامة الذين سيشددون على مفهوم السلام ولكن سلامنا ليس سلام الاستسلام بل سلام الحرية والكرامة والانعتاق من الاحتلال وصون حرية وكرامة الانسان الفلسطيني.
أتمنى ان تصلك رسالتي والا يحجبها المحيطين بك الذين لا يريدون ان تسمع صوت الحق والعدالة بل يريدونك ان تسمع صوت التضليل والتشويه وتزوير الحقائق والوقائع .
نصلي من اجلك ومن اجل رئيسك وكل الحكام في هذا العالم لكي يعملوا من اجل رفع الظلم عن شعبنا الذي يستحق الحياة ولا يستحق الموت ويستحق الحرية ولا يستحق ان يبقى عائشا في ظل الاحتلال والعبودية .
تذكر وانت داخل الى كنيسة القيامة بأن هذا المكان يذكرنا بانتصار الحياة على الموت وبانتصار الخير على الشر وبانتصار المحبة على الكراهية والعنصرية.
نرفع دعاءنا من اجل شعبنا المظلوم في غزة وشعبنا الفلسطيني الرازح في ظل الاحتلال واذكرك بما قاله قداسة البابا فرنسيس الراحل عندما ذهب الى بيت لحم وصدم بوجود الاسوار والحواجز العسكريه حيث قال أمام الإعلاميين الذين رافقوا زيارته الى بيت لحم ” بأن السلام لا يحتاج الى اسوار وحواجز عسكرية بل يحتاج الى جسور محبة واخوة ورحمة ” .
“كونوا رحماء كما ان اباكم السماوي هو رحيم” ، وتذكر ان القدس هي مدينة مقدسة للديانات التوحيدية الثلاث وهي ليست حكرا على الجهة التي تستضيفك وهي تدعي انها مدينة يهودية متجاهلة أهميتها في الديانتين المسيحية والإسلامية.
” طوبى لصانعي السلام لانهم أبناء الله يدعون ” (متى9:5)
المطران عطا الله حنا
رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس
القدس 22/10/2025