بقلم : عصام الحلبي
في زمنٍ تعصف به التحديات وتكثر فيه الضوضاء، يطلّ السفير الدكتور محمد الأسعد كواحدٍ من أولئك الذين يمارسون الدبلوماسية بصمت الحكماء، لا بضجيج الشعارات. رجلٌ تشعر، وأنت في حضرته، أنك أمام شخصية تعرف معنى الانتماء لفلسطين بعمقها الإنساني والوطني والسياسي، وتدرك مسؤولية حمل اسمها حيث يستوجب الأمر في المحافل العربية والدولية بكل ما يليق بها من وقار وهيبة.
كان لقائي الأول به في منزله العائلي، لقاءً قصيراً ، عميقاً في الأثر. جلس يستمع بإصغاء نادر لكل كلمة تُقال، يلتقط التفاصيل الدقيقة، يستوضح عن كل فكرة تتعلق بشعبنا الفلسطيني اللاجئ في لبنان، كمن يعيد قراءة الوجع الفلسطيني بنداً بنداً. أدركت حينها أنني أمام دبلوماسي من طرازٍ مختلف، لا يكتفي بالاستماع من باب المجاملة، بل يصغي بعين المسؤول الذي يرى في كل قصة إنسانية مسؤولية وطنية.
أما اللقاء الثاني، فكان أطول وأشمل، وقد جرى في سفارة دولة فلسطين في بيروت، هذا البيت الفلسطيني الجامع الذي يفيض وطنية ومسؤولية ودفئاً، هناك، استمع السفير الأسعد إلى عرضٍ مفصل حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، وبأوضاعهم في البلد المضيف لبنان الشقيق، وهو العارف بتفاصيلها، لكنه كما عهدناه، يستأنس بآراء الآخرين، ويُقدّر كل فكرة تحمل همّ الوطن والناس. تحدثنا عن العلاقة مع وكالة الأونروا، وعن التحديات التي تواجه اللاجئين، خصوصاً أولئك الذين يُعرفون بـ“فاقدي الأوراق الثبوتية”، فكان دقيقاً في أسئلته، واسع الصدر في استيضاحه، حريصاً على ألا تفوته أي جزئية تتصل بحياة أبناء شعبه.
تقلّد السفير محمد الأسعد مسؤولياته في عدة دول، حمل فيها راية فلسطين بصدقٍ ومهارة، وآخر محطاته كانت في موريتانيا، قبل أن يُكلفه سيادة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) بمهمته سفيراً لدولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية. إدراكه لحجم المسؤولية لم يكن شعاراً، بل واقعاً تجسد منذ اليوم الأول لتسلمه مهامه. بدأ بترتيب الملفات، وتحديد أولويات العمل، والتواصل مع الجهات اللبنانية والفلسطينية ، ليؤسس لمرحلة جديدة من الأداء الدبلوماسي القائم على المهنية والالتزام الوطني.
وفي “البيت الفلسطيني الجامع” — سفارة فلسطين في بيروت — تشعر وأنت تلتقيه أن الأمان يسكن المكان، وأن شؤون شعبنا في أيدٍ أمينة مسؤولة تعرف معنى الخدمة العامة، وتدرك أن الدبلوماسية ليست فقط تمثيلاً رسمياً، بل رسالة أخلاقية ووطنية.
اختيار الرئيس محمود عباس للسفير محمد الأسعد لم يكن محض صدفة، بل تأكيداً على ثقة القيادة الفلسطينية في رجلٍ يجمع بين الهدوء في الطبع، والحزم في الموقف، والاتزان في القول والعمل. هو السفير الذي يمثل “الكل الفلسطيني”، ويصون بمهنيته ووطنيته صورة فلسطين التي نحلم بها: دولة الحق، والعقل، والمسؤولية والكرامة.
في زمنٍ يكثر فيه الكلام، يبقى السفيرمحمد الأسعد نموذجاً لمن يتكلم بصوته فقط عندما يكون للكلمة وزنٌ ومسؤولية.
هكذا تُبنى الدبلوماسية الهادئة… وهكذا يُصنع الرجال الكبار.