الشيخ ماهر حمود
يشكّل النبي إبراهيم إحدى أبرز الشخصيات الدينية المشتركة بين اليهودية والمسيحية والإسلام. ورغم اختلاف السياقات التاريخية واللاهوتية للنصوص، إلا أنّ القراءة المقارنة تكشف تشابهاً لافتاً في القضايا الجوهرية المرتبطة بسيرته، خصوصاً في موضوع العهد الإلهي، وترك الأصنام، والانفصال عن قومه، إضافة إلى الدعوة الصريحة إلى التوحيد. هذه الدراسة تستعرض أبرز نقاط الالتقاء بين القرآن الكريم والتوراة، مع الإشارة إلى بعض الشروحات rabbinic commentary التي تناولت هذه المرويات.
أولاً: العهد الإلهي ورفض الظلم
يرد في القرآن الكريم قوله تعالى على لسان الله تعالى لإبراهيم: «لا ينال عهدي الظالمين» (البقرة 124)، وهو نص يؤسس لفكرة مركزية مفادها أن العهد الإلهي لا يُمنح لمن يمارس الظلم، مهما كانت نسبته أو مكانته.
وفي المقابل، تورد التوراة في سفر التكوين إشارات مشابهة وإن اختلفت الصياغة. ففي سياق الحديث عن العهد مع إبراهيم، يَرِد: «وَأُثِيرُ ذُرِّيَّتَكَ… وَأَكُونُ إِلَهَهُم» (تكوين 17: 7)، ويليه اشتراط بيّن للطاعة، كما في: «تَسْلُكُ أَمَامِي وَتَكُونُ كَامِلاً» (تكوين 17: 1).
ويرى بعض المفسرين اليهود، مثل الرابي راشي (Rashi)، أنّ «الكمال» هنا يعني الابتعاد عن الخطايا ورفض الظلم، وهو تفسير قال بعض الباحثين إنّه يوازي من حيث المبدأ الآية القرآنية المذكورة.
ثانياً: إبراهيم وترك الأصنام
يتفق القرآن والتوراة في تقديم إبراهيم كشخصية مؤمنة رفضت عبادة الأصنام.
فالقرآن يروي موقفه الحاسم: «إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُون» (الزخرف 26).
وفي التوراة، يظهر هذا البُعد في إشارة تاريخية بالغة الأهمية في يشوع 24: 2: «سَكَنَ آبَاؤُكُمْ… وَعَبَدُوا آلِهَةً أُخْرَى».
ويعلّق الرابي موسى بن ميمون (Maimonides) في كتابه «الهداية» على هذا النص بالقول إن إبراهيم «اكتشف بطلان الأصنام بالنظر العقلي»، وهو طرح ينسجم مع الخطاب القرآني الذي يبرز محاورة إبراهيم لقومه في نقد الأوثان.
تكشف القراءة المقارنة بين القرآن والتوراة عن مجموعة من المساحات المشتركة