آخر الأخبار

مخيّم اليرموك… أي مصير؟

92c9d1f5-3942-44e4-97ea-c24567b162bd-rdn68zqs2ygy3uulthn2t6axdieqskvmk9wvq7z4hc

أيهم السهلي

من مدخله قرب دوار «البطيخة» كما نسميه نحن أهل مخيّم اليرموك، وحتى آخره، عند المقبرة الجديدة، الدمار هائل جداً، حتى إنه طال المقبرتين، المذكورة وفيها شهداء، وكذلك المقبرة القديمة، المعروفة بمقبرة الشهداء.
ولدت وكبرت في هذا المكان، كان المخيّم بالنسبة إليّ، كفلسطيني في سوريا، المكان الذي أعود إليه كل يوم، ليس لأنه مكان سكني فقط، بل لأنه المكان الذي كنّا نشعر نحن اللاجئين الفلسطينيين أنه «لنا». هذا رغم أننا في المخيّم لم نكن سوى «أقلّية»، نحو 160 ألف لاجئ فلسطيني، نسكن بين مئات الآلاف من السوريين، وهذا طبيعي في سوريا، إذ لم تكن العنصرية واردة إلا نادراً جداً عند قلة منبوذة، لا يميزها سوى أنها تتصرّف على غير الأعراف المحبذة لدى الشعب السوري.

واليوم، والمخيّم مدمّر، من مدخله إلى مقبرته، باستهداف مباشر متعمّد عام 2018، من قبل قوات النظام، فقد بلغت نسبة الدمار في المخيّم في المنازل والشقق 72% بحسب ما قالت «الأونروا» في أيّار الماضي، بناء على تقييم أجرته بين نيسان وحزيران 2024.
ومع ذلك، بدأت عودة كبيرة للسكان إلى البيوت المدمّرة جزئياً، وأحياناً المدمّرة كلياً، منذ أوائل عام 2019. وأحد الأسباب الرئيسية لهذه العودة، من الفلسطينيين والسوريين، ارتفاع بدل الإيجار في معظم أنحاء دمشق وريفها، عدا عن الغلاء الفاحش في أسعار السلع، الأمر الذي لم يكن يسمح لمعظم الناس قبل سنوات بالعيش الكريم. واليوم تزداد الأمور صعوبة في سوريا على المستوى الاقتصادي، لذلك تنشط العودة إلى المناطق المدمّرة أكثر، ومنها المخيّم، تحديداً أنّ الحاجز عند مدخله أزيل بعد سقوط النظام، وقد كان يرتشي من الداخل والخارج.

ورغم الدمار الهائل، وعدم انتظام الخدمات الرئيسية كالكهرباء والاتصالات، وانتشار القوارض في بعض أنحاء المخيم، اختار عدد من العائلات العودة إلى منازلهم المدمّرة، بحثاً عن مأوى رخيص، أو مجاني، فبعض العائلات، وإن بلغ عدد أفرادها خمسة أو ستة، تسكن اليوم في غرفة واحدة من منزلها، رمّمتها بالمتوافر من المال، وبما توافر من إمكانات لتصليح الباب والنافذة. وبحسب ما يقول عدد من ساكني المخيّم: «المهم مستورين تحت سقف وباب مسكّر علينا». والجدير بالذكر، أنه مع زيادة نسبة العائدين إلى المخيّم، بدأت تعود بعض المشاريع، فافتتح أكثر من مطعم، وكذلك بعض الأفران، وعدد من المحال التي تؤمّن مواد الإعمار.

بلغت نسبة الدمار في المخيّم في المنازل والشقق 72% بحسب ما قالت «الأونروا» في أيّار الماضي، بناء على تقييم أجرته بين نيسان وحزيران 2024

إحدى المشكلات الرئيسية في اليرموك هي «التعفيش»؛ فالأبنية التي دمّرتها الصواريخ في 2018، وتلك القليلة التي لم تدمّر، تم تجريدها من كل شيء، عادت أبنية على «العظم» بحسب التعبير السوري الذي يدلّ على البيت قيد الإنشاء، الخالي من كل أنواع التمديدات الكهربائية والصحية، وذلك لأن قوى جيش النظام والقوات الرديفة لها، منها فلسطينية، دخلت المخيّم، ونهبت أثاث المنازل فيه كما في مناطق أخرى، وهذا مؤكد بفيديوهات وصور من المخيّم، وهو ما سمّي بـ«التعفيش».

إلا أنّ المصطلح اتخذ منحى آخر خلال العام الماضي بعد سقوط النظام، فبات تعبير «بيت معفّش» يدلّ على البيت الذي أعادته قوات النظام على «العظم»، أي الأبنية التي جرّدت من أسلاك الكهرباء، من أجل حرقها، واستخلاص نحاسها لبيعها بالكيلو، كما سرقت ما يسمّى في سوريا «البياض»، والمقصود به أزرار الكهرباء، وصنابير المياه، وكل المتعلقات خارج الجدران. ولاحقاً دخلت إلى المخيّم شركات تملكها شخصيات محسوبة على النظام، بمعدات ضخمة، لسحب الحديد من المنازل المدمّرة، أيضاً من أجل إعادة إنتاجها بتكلفة بسيطة، وهي أجور العمّال الذين يقومون بسحب هذا الحديد. وبذلك، فالأبنية المدمّرة في المخيّم هي أبنية آيلة للسقوط في أي لحظة، لأن عوامل قوّتها لتبقى واقفة لم تعد موجودة.

يعدّ مخيّم اليرموك، بشارعيه، اليرموك وفلسطين وتفرّعاتهما، أحد أكثر المناطق تضرّراً في دمشق، فالمكان الذي تأسّس لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين منذ خمسينيات القرن الماضي، لا تصنّفه «الأونروا» مخيّماً رسمياً منذ سنوات طويلة. والوكالة، في حال استعدادها لإعادة إعمار المخيّم، فهي لن تكون مسؤولة إلا عن الحيّز ضمن المخيّم القديم، علماً أن أهالي المخيّم في معظمهم لا يميّزون المخيّم القديم عن توسّعه، فضلاً عن سؤال أساسي، هل ستتولى «الأونروا» ترميم أو إعمار أبنية ضمن المخيم القديم لا يملكها فلسطيني؟ ولا سيّما أنه لا توجد في المخيّم منطقة خاصة بالفلسطينيين أو السوريين، فسكنُ الناس فيه متداخل من يوم بدأت الناس بالقدوم للعيش فيه، نظراً إلى رخص الأسعار، مقارنة بالأسعار في دمشق، فضلاً عن توافر الخدمات ذاتها. كما إنه من غير المعلوم إذا ما كانت منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية ستسهم في تهيئة بعض شؤون المخيّم، كما فعلت عام 2018، في مساهمتها لرفع الأنقاض من الشوارع الرئيسية.

مصير مخيّم اليرموك غير معلوم، وبشكل أدقّ غير واضح، فمن المؤكد أن مساحات كبيرة لا بدّ أن تُهدم ويُعاد إعمارها، لأن ترميم عدد من الأبنية شبه مستحيل. إلا أن السؤال، كيف سيكون هذا الإعمار، على أساس مخطط مخيّم اليرموك القائم، أم أنه سيخضع لمخطط تنظيمي جديد يلحظ تطوير المدينة ككل، والمناطق الجنوبية لدمشق، من دون أن يلحظ خصوصية المخيم السياسية، باعتباره حيّزاً يعبّر عن قضية اللاجئين الفلسطينيين.

* كاتب فلسطيني

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة