في محاولة لتسخير الفن في خدمة العمل الإنساني، دخلت أغنية فلسطينية تراثية سباق الأغاني البريطاني لعيد الميلاد للمرة الأولى، عبر عمل فني أطلقته المبادرة الخيرية البريطانية “معاً من أجل فلسطين”، خُصص ريعه لدعم المؤسسات الإغاثية العاملة في قطاع غزة.
وأطلقت المبادرة في 12 ديسمبر/كانون الأول الحالي، عملاً فنياً مستلهماً من الفلكلور الفلسطيني، يقوم على إنتاج تهويدة من الأغنية التراثية “يمّا مويل الهوى”، بهدف المنافسة على المرتبة الأولى في “سباق الأغاني البريطاني لعيد الميلاد”.
وتُعد هذه المشاركة الأولى لأغنية فلسطينية في هذا السباق الفني البريطاني واسع الانتشار.
ويتميز العمل بتكوين موسيقي متعدد المشارب، تؤدي فيه الفنانة الفلسطينية ناي البرغوثي الأغنية بكلماتها العربية، إلى جانب مشاركة فنانين وفنانات بريطانيين وعرب بأبيات إنكليزية كتبها الموسيقي البريطاني بيتر غابريل.
وأسفر هذا التعاون عن مزيج موسيقي يحافظ على الروح الشرقية للأغنية التراثية، ويزاوجها مع تكوين غربي معاصر، يعكس تنوع الخلفيات الموسيقية للمشاركين.
وإلى جانب البرغوثي مؤديةً رئيسية، تولّت المغنية لينا مخول إخراج الفيديو الموسيقي لأغنية “يمّا مويل الهوى”، فيما جرى اعتماد إحدى لوحات الفنانة التشكيلية ملك مطر لتكون الهوية البصرية للعمل.
وتقول مخول، في تصريحات صحفية، إن هذا المشروع يُعد تجربتها الإخراجية الأولى لعمل فني ليس من إنتاجها الغنائي الخاص.
ويأخذ الفيديو المشاهدين في رحلة بصرية عبر مناطق فلسطين التاريخية، مستخدماً مقاربة مختلفة عن الصورة السائدة في التغطيات الإخبارية.
ولمواجهة التحديات الجغرافية التي يفرضها الاحتلال من خلال التقسيم والعزل بالحواجز والبوابات، اعتمدت مخول على تشكيل فرق تصوير محلية في كل موقع، شملت قطاع غزة والداخل الفلسطيني والضفة الغربية والقدس المحتلة.
وتوضح أن هذا الخيار يهدف إلى “مقاومة البروباغندا التي تفصل قطاع غزة عن فلسطين، وتقديم تمثيل شامل للإنسان الفلسطيني”.
وتؤكد مخول أن رؤيتها للعمل البصري لم تقتصر على مخاطبة الجمهور الأجنبي، بل استهدفت الفلسطينيين أنفسهم، معربة عن أملها بأن يرى الفلسطيني ذاته ممثلاً بأفضل صورة ممكنة في الفيديو. وتضيف: “كان مهماً لي أن أُظهر أن الدمار لا يمنع الفلسطينيين من اختيار الحياة والأمل”.
وتأتي الأغنية في مدة تمتد إلى ثماني دقائق، ترافقها رحلة بصرية عبر فلسطين. ورغم أن هذا الطول الزمني يتعارض مع نمط الاستهلاك السريع للمحتوى المعاصر، تعمّدت مخول البناء على إيقاع التهويدة من خلال اعتماد حركة بطيئة في التصوير، في تعبير عن تقدير كل لحظة يعيشها الفلسطيني على أرضه.
وفي الهوية البصرية للفيديو، ركزت المخرجة على اللون الأسود، بوصفه تعبيراً عن حالة الحداد التي يعيشها الفلسطينيون، إلى جانب إبراز الرموز المرتبطة بالحياة اليومية الفلسطينية، مثل الشجر والزعتر والبحر ومدينة القدس، وغيرها من العناصر الدالة على الارتباط بالأرض.
إنجاز ثقافي وفني
وتصف مخول وجود أغنية فلسطينية في سباق فني بريطاني بهذا الحجم بأنه إنجاز ثقافي وفني يسهم في تعريف العالم بالثقافة الفلسطينية.
وترى أن هذا العمل يرفع مفهوم التكافل والعمل الخيري من مجرد تبرع إلى حراك فاعل مرتبط بالثقافة والحياة اليومية.
كما تؤكد أن اختيار أغنية تراثية يشكّل مقاومة لمحاولات محو الماضي والتراث الفلسطيني، مشيرة إلى أن تقديمها بتوزيع غربي مع الحفاظ على النبرة الشرقية عبر صوت البرغوثي أفضى إلى “مزيج طبيعي يجمع بين روح الصلاة وروح النضال والثبات”.
ويُذكر أن الأغنية جرى تسجيلها عقب حفل “معاً من أجل فلسطين” الذي أُقيم في قاعة ويمبلي أرينا في لندن خلال سبتمبر/أيلول الماضي، وشهد جمع تبرعات بلغت نحو مليوني جنيه إسترليني لصالح قطاع غزة، ضمن فعالية فنية وثقافية استمرت أربع ساعات.
وتضم قائمة الفنانين المشاركين في التهويدة أسماء بارزة، من بينها الموسيقي والفنان البريطاني برايان إينو المعروف بمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية، إلى جانب نينيه تشيري، وسيليست، ونادين شاه، ودان سميث من فرقة “باستيل”، والمغنية لي آن بينوك، إضافة إلى آمنة وسرى عبده وياسمين عياشي.
اقرأ المزيد عبر المركز الفلسطيني للإعلام:
https://palinfo.com/news/2025/12/18/985820/