آخر الأخبار

يقين حماد الطفلة التي وثّقت الحياة… واستشهدت على الهواء

9e214d25-7834-4e45-bf34-3eebdfe4e6df

في مخيم من مخيمات التهجير، حيث لا تغيب رائحة البارود ولا تتوقف صفارات الإنذار، كانت الطفلة يقين خضر حماد تبني عالمًا من الأمل بعدسة هاتفها.

فتاة لم تكمل عامها الثالث عشر، لكنها تجاوزت بأحلامها حدود الخوف، وواجهت الموت اليومي بابتسامة كانت تشعّ في وجه كل من رآها.

لم تكن يقين مجرد طفلة، كانت مشروع ذاكرة، صفحة يومية عن غزة ما بعد الأخبار، غزة الناس، غزة الأطفال الذين يصنعون من الرماد ألعابًا ومن الغبار ضوءًا.

كانت توثق، تضحك، تبادر، وتخاطب جمهورها كما لو أنها تعلم أن شهادتها يوماً ما لن تكون من خلف الشاشة، بل فيها.

في مساء الجمعة، سُجّلت آخر لحظات يقين. لم تكن هذه المرة تبثُّ حياة، بل كانت تُودِّعها.

غارة إسرائيلية أصابت مكان تواجدها، فصمتت الكاميرا، الهاتف الذي كان شاهدًا على أحلامها الصغيرة، بات شاهد قبر، أما صورتها، فانتشرت على المنصات الرقمية مثل نشيد وداع موجع، تعزف نغماته في كل بيت فلسطيني.

في زمن يُقصف فيه كل شيء، حتى الذكريات، تُضاف يقين إلى قائمة طويلة من الأطفال الذين تحوّلوا من شهود إلى شهداء. لكنها لم تكن صامتة أبدًا، كانت تصرخ بالحياة، حتى في لحظتها الأخيرة.

كانت حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي نافذة لحياة محاصرة، ترسم فيها الأمل رغم الظلام.

فيديوهاتها عفوية، تتضمن لقطات وهي تلهو مع أصدقائها، تنادي لجمع التبرعات للأيتام، تشارك في فعاليات بسيطة من داخل الخيام، توزع الضحكة رغم انعدام الأمان.

في واحدة من مقاطعها الأخيرة، قالت: “أنا بحاول أفرّح الأطفال، يمكن ننسى الحرب شوي”. لكن الحرب لم تنسَها، ولم تنسَ جيلها.

بحسب وزارة الصحة، بلغ عدد الشهداء الأطفال منذ بدء العدوان أكثر من 16 ألفًا، فيما تجاوز عدد الضحايا الإجمالي من الشهداء والجرحى 175 ألفًا.

هؤلاء ليسوا أرقامًا، بل دفاتر رسم ممزقة، وحقائب مدرسية محترقة، وقلوب كانت تخطط لعيد ميلاد أو امتحان.

أكدت لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدة أن هذه الحرب تمثل استثناءً بشريًا مأساويًا في وحشيته.

بينما أعلنت وكالة أونروا أن حصيلة الأطفال القتلى في غزة خلال هذا العدوان تفوق ما سجلته أربع سنوات من الحروب عالميًا.

في النهاية، لا تكتب الحروب نهايات منصفة. لكن يقين كتبت نهاية مختلفة، حاضرة، موثّقة، كاملة. لا تزال أصوات ضحكاتها محفوظة، لا تزال مقاطعها تنتشر، وربما ستظل، تذكّر العالم أن غزة لا تنزف فقط، بل تحكي، حتى لو لم يبقَ فيها سوى الكاميرا.

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة