مشهدٌ سينمائيٌ واحدٌ رسم أحداثه وسيناريو الإجرام في تفاصيله مخرجٌ واحدٌ أو مدرسةٌ واحدةٌ ينتمي لها القتلة النازيون قديمًا كانوا أو حديثًا، في “كلاكيت” مكرر عكسه حجم الإجرام والخسّة الذي فرضه العدوّ الصهيوني خلال مزاعمه توزيع المساعدات الإنسانية عبر “شركة غزة الإنسانية”، ليتم تكرار صورة “معسكرات الهولوكوست” ولكن هذه المرة في قطاع غزة المنكوب.
تشابهٌ قاتلٌ في الإجرام
“تشابهٌ قاتل”.. هذا ما تعكسه الصورة وما وصف به رئيس المرصد الأورومتوسطي رامي عبده، المشهد الإجرامي، حيث يقول: ما بين معسكرات الهولوكوست والإبادة غزة اليوم، تشابه قاتل: تجويع مُمنهج، طعام يُقَدَّم بالقطّارة، ومحاصرون يُتركون بين الموت البطيء والذلّ المقصود. إدارة الجوع كسلاح لا تزال حيّة، فقط الوجوه تغيّرت.
ويؤكد عبده أنّ “الصورة من معسكرات تْشيبينيا البولندية خلال الهولوكوست”.
ويلفت إلى أنّ “الشركة الأمريكية الإسرائيلية التي تدير هندسة التجويع، بعد قيام الاحتلال بتجويع المواطنين، تبدأ بتوزيع بعض الطرود الغذائية، وتجبر المواطنين على القدوم إليها سيرًا على الأقدام من أجل استلام هذه الطرود الغذائية”، واصفًا المشاهد بأنّها “معسكرات النازية الجديدة”.
من جانبه شارك الأكاديمي الدكتور صريح صالح القاز، الرأي ذاته، قائلا: إنّ ما يجري اليوم في قطاع غزة ليس عملية توزيع مساعدات، بل شكل جديد من أشكال “الغيتوهات” أو معسكرات الاعتقالات، تتنافى مع قيم الإنسانية وكل الاتفاقيات الدولية والمقررات.
وأضاف القاز: للأسف، رغم حجم الكارثة، ما زال المجتمع الدولي لم يقدم شيئًا سوى تصريحات إعلامية وبيانات.
الإذلال الممنهج
بدوره كشف المرصد الأورومتوسطي أنّ فريقه الميداني تابع تفاصيل آلية توزيع المساعدات التي أشرفت عليها شركة أميركية أنشأتها إسرائيل، تحت حراسة مشتركة من قوات أمنية أميركية خاصة وقوات إسرائيلية، وهي آلية اتسمت بالإذلال الكامل وانعدام الحدّ الأدنى من المعايير الإنسانية، سواء من حيث موقع التوزيع أو أسلوبه، إذ جرى إجبار آلاف المدنيين المجوعين على السير مشيًا لعشرات الكيلومترات نحو منطقة أمنية خطيرة تحاصرها قوات الجيش الإسرائيلي، ليُرغموا بعدها على الدخول في ممرات مسيّجة تحت الحراسة المشددة، في مجموعات، لاستلام طرود غذائية محدودة، دون أي نظام واضح أو آلية تضمن الكرامة أو العدالة في التوزيع.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ قوات الاحتلال تعمّدت إذلال المدنيين عبر احتجازهم بين الأسلاك الشائكة، في حين فشلت الشركة التي تدير العملية في توفير الحد الأدنى من الظروف الملائمة لاستيعاب عشرات آلاف الأشخاص الذين توافدوا إلى المكان على أمل الحصول على ما يسد رمقهم بعد أكثر من شهرين من الحصار الكامل، لافتًا إلى أن الآلاف اضطروا إلى السير كيلومترات طويلة نحو نقطة توزيع وحيدة، صُممت بشكل مهين، حيث أُجبروا على دخول ممرات ضيقة مسيّجة، والخروج من ممر مماثل بعد استلام طرد غذائي محدود، في مشهد يتنافى تمامًا مع كرامة الإنسان وأبسط المعايير الإنسانية.
مناطق عازلة وفشل ذريع
أما المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فأكد في بيان وصل المركز الفلسطيني للإعلام، على أنّ ما حدث اليوم هو دليل قاطع على فشل الاحتلال في إدارة الوضع الإنساني الذي خلقه عمداً، من خلال سياسة التجويع والحصار والقصف، وهو ما يُشكّل استمراراً لجريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي، لا سيّما المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.
ولفت إلى أنّ إقامة “غيتوهات عازلة” لتوزيع مساعدات محدودة وسط خطر الموت والرصاص والجوع، لا تعكس نية حقيقية للمعالجة، بل تُجسّد هندسة سياسية ممنهجة لإدامة التجويع وتفكيك المجتمع الفلسطيني، وفرض مسارات إنسانية مُسيّسة تخدم مشروع الاحتلال الأمني والعسكري.
وختم الإعلامي الحكومي بالقول: إنّ ما يجري في غزة جريمة كبرى أمام مرأى العالم، والسكوت عنها هو تواطؤ مفضوح. وسنواصل دق ناقوس الخطر باسم شعبنا الفلسطيني العظيم، ونُحمّل الاحتلال، والدول الداعمة له، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا، المسؤولية الكاملة عن استمرار المجاعة والمذبحة الجماعية بحق المدنيين في قطاع غزة.
معسكرات اعتقال لتفريغ غزة
من جانبها أكدت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، أن توزيع المساعدات عبر الشركة الأمنية الأميركية، “إهانة للإنسانية والآدمية”. منبهة إلى أن الهدف منها “إذلال أبناء شعبنا”.
وحذرت “فصائل المقاومة” في بيان لها اليوم الثلاثاء، وصل المركز الفلسطيني للإعلام، من أن الشركة الأمريكية تستهدف تحويل قطاع غزة لمعسكرات اعتقال، وكانتونات معزولة، وتفريغ شمال ووسطه القطاع، تمهيدا لتنفيذ مشروع التهجير “الصهيوني”.
وقالت إن “عسكرة” توزيع المساعدات الإنسانية والإغاثية عبر شركة أمنية مرتبطة بكيان وجيش الاحتلال، يأتي تنفيذاً لمخططات إسرائيلية لإلغاء دور المنظمات والمؤسسات الدولية والإنسانية التابعة للأمم المتحدة.
ودعت “المقاومة” إلى توزيع المساعدات في إطار عادل وإنساني وبدون تمييز، وبعيدا عن الأجندات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية؛ “وذلك عبر إسناد هذه المهمة الإنسانية للأونروا”.
وشددت على أن نتائج فشل الخطة الأمريكية “كانت متوقعة؛ في ظل ما تحمله من مؤامرة خطيرة على وجود شعبنا، وفشلها نتيجة طبيعية لمحاولات الاحتلال المتكررة لصناعة مشهد الفوضى”.
سياسة متعمدة تمهيدا للتهجير القسري
وبسياسة متعمدة تمهد لتهجير قسري، وفق الأمم المتحدة، مارست إسرائيل تجويعا بحق 2.4 مليون فلسطيني في غزة، عبر إغلاق المعابر منذ 90 يوما بوجه المساعدات الإنسانية ولا سيما الغذاء، حسب المكتب الإعلامي الحكومي بالقطاع.
وبعيدا عن الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية، تستغل تل أبيب الثلاثاء “مؤسسة إغاثة غزة” المدعومة أمريكيا، كغطاء لتمرير سياسة تهجير الفلسطينيين من خلال الترويج بأنها توزع مساعدات في “مناطق عازلة” جنوب القطاع.
ومنذ 2 مارس/ آذار الماضي، تواصل إسرائيل سياسة تجويع ممنهج لنحو 2.4 مليون فلسطيني بغزة، عبر إغلاق المعابر بوجه المساعدات المتكدسة على الحدود، ما أدخل القطاع مرحلة المجاعة وأودى بحياة كثيرين.
وبدعم أمريكي مطلق، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 177 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين.