مازن كريّم
من أزقّة مخيم “عين الحلوة” للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا جنوب لبنان، حيث تنبض ذاكرة المقاومة والحياة، انطلقت مبادرة شبابية بعنوان “سهم صمود”، حاملةً رسالة وفاء من لاجئي الشتات إلى أهلهم المحاصرين في غزة؛ في زمن يسود فيه الصمت المخزي من المجتمع الدولي، اختار شباب المخيم أن يطلقوا سهمًا من التضامن والعزيمة يخترق جدران الحصار، ويعلن أن غزة ليست وحدها، وأنّ الدم الفلسطيني واحد لا يقبل الانقسام.
“سهم صمود” ليست مجرد مبادرة رمزية، بل فعل مقاومة مجتمعية يؤكد أن وحدة الدم والمصير لا تعترف بالحدود، وأن الشعب الفلسطيني، أينما وُجد، سيبقى رافعًا راية الصمود والكرامة.
وفي حديثهم عن المبادرة، أكد القائمون على مبادرة “سهم صمود من عين الحلوة إلى غزة” في حديث خاص لـ”قدس برس” أن “هذه الخطوة جاءت كمبادرة شبابية نابعة من الوجدان الجمعي لأبناء مخيم عين الحلوة، في لحظة تاريخية فارقة يعيشها شعبنا الفلسطيني، حيث يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بلا هوادة، في ظل صمت مخزٍ من المجتمع الدولي، وتجاهل عربي وإسلامي مؤلم أمام الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهلنا هناك”.
وأوضحوا أن “الفكرة وُلدت من شعور بالخذلان والعجز الذي يعتصر كل فلسطيني وهو يرى الدماء تسيل أمام عينيه، لكنها تحوّلت سريعًا إلى فعل مقاومة معنوية ومادية، هدفها الأساسي تثبيت صمود شعبنا في القطاع، والتأكيد على أن غزة ليست وحيدة، وأن جذوة التضامن ما زالت مشتعلة في قلوب اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، رغم كل الظروف والتحديات”.
وأضافوا:”أردنا من خلال هذه الحملة أن نوجّه سهمًا من الصمود من قلب المخيم إلى قلب غزة، نقول من خلاله لأهلنا هناك: “أنتم لستم وحدكم، كل شارع وزقاق وبيت في عين الحلوة ينبض معكم، ويعيش وجعكم، ويشعر أن كل شهيد يُزفّ في غزة هو ابن المخيم، وكل بيت يُقصف هناك، تهتز له جدران بيوتنا هنا”.
وأشاروا إلى أن “الحملة لاقت تفاعلًا شعبيًا واسعًا داخل المخيم، حيث تمكّنوا خلال أقل من 24 ساعة من جمع قرابة 20 ألف دولار في المرحلة الأولى، وفي المرحلة الثانية التي انطلقت قبل يومين بمساهمة من مختلف أحياء ومربعات المخيم، أصبح مجموع التبرعات حتى الساعة يفوق الـ 20 ألف دولار، في مشهد يعكس وحدة حال اللاجئين، وروح التكافل العميقة التي لم تنطفئ رغم كل المعاناة”.
وتابعوا:”هذه الحملة ليست فقط حملة تبرعات، بل هي رسالة سياسية وإنسانية واضحة؛ نقول فيها إن شعبنا الفلسطيني واحد، في الوطن والشتات، في غزة ولبنان، في كل الخنادق والخيام؛ همومنا واحدة، ومصيرنا مشترك، والعدو واحد، وما يجمعنا أكثر بكثير مما يفرقنا، نحن نؤمن أن دور الشتات لا يقتصر على الحنين، بل يمتد ليكون شريكًا في الفعل، وفي الدعم، وفي معركة البقاء والكرامة”.
وختموا حديثهم بالقول:”رغم بعد المسافات بيننا وبين غزة، إلا أن القلوب متصلة، والنفوس متآزرة، والعهد لا ينقطع؛ نؤمن أن اليوم الذي نجتمع فيه معًا في ساحات التحرير والمقاومة آتٍ لا محالة، وأن سهامنا التي نرسلها من عين الحلوة اليوم، ستصيب هدفها في غزة، وستعود إلينا بالنصر والعودة والكرامة”.
وتأتي مبادرة “سهم صمود من عين الحلوة إلى غزة” في سياق سلسلة من المبادرات الشعبية التي أطلقها الفلسطينيون في لبنان منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن استشهاد عشرات الآلاف من المدنيين، وتدمير واسع للبنية التحتية، وتفاقم الأوضاع الإنسانية إلى مستوى الكارثة.
ويُعتبر مخيم عين الحلوة، الواقع في مدينة صيدا جنوب لبنان، من أكبر المخيمات الفلسطينية في الشتات، ويضم عشرات آلاف اللاجئين الذين يحملون في ذاكرتهم تجربة النكبة، ويعيشون يوميًا تداعيات اللجوء والتهميش.
ورغم الظروف الأمنية والاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يرزح تحتها المخيم، لم يتأخر شبابه عن إطلاق مبادرات دعم وتضامن مع غزة، تأكيدًا على وحدة القضية والمصير.
وتُعيد مبادرة “سهم صمود” التذكير بأن الشعب الفلسطيني، في الداخل كما في الشتات، لا يزال متمسكًا بوحدته وحقه في المقاومة والدفاع عن كرامته، ومن قلب عين الحلوة، الذي كثيرًا ما حاولت الحملات الإعلامية والسياسية تشويهه، يخرج اليوم سهم آخر، لا يحمل العنف بل الوفاء، ولا يزرع الخوف بل الأمل، موجَّهًا إلى غزة ليقول لأهلها:”لسنا بعيدين، نحن هنا معكم، على درب العودة ذاته، نُقاوم بالكلمة والموقف والمال، حتى يتحقق النصر وتُرفع راية الحرية فوق كل فلسطين.”.