آخر الأخبار

عيد غزة بلا لحم… وكيس الطحين أمنية للنازحين المجوّعين

thumbs_b_c_c0c3ec2f19b938557f479264915c05b2

في غزة، لم يعد العيد مناسبةً تُنتظر، بل يومًا آخر يُضاف إلى تقويم البؤس. لا أضاحي، لا لحوم، ولا حتى طحين.

فقط طوابير من الأجساد المنهكة تقف تحت الشمس، على أمل وصول شاحنة إغاثة… لكنها لا تصل.

فالاحتلال يمنع الأمم المتحدة من التوزيع، ومصر على عسكرة المساعدات، فيما المجاعة باتت واقعًا لا تخطئه العين.

“أصبح الطحين أضحية الناس”، تقول أم سائد، وهي تدفع عربة خشبية فارغة أمام مدرسة تؤوي مئات النازحين.

“أطفالي ما أكلوا خبز من شهرين، بنطحن العدس ونخبزه، بس كمان العدس خلص”.

في العيد، كانت العائلات تذبح الخراف وتوزّع اللحوم على الفقراء، اليوم، لا أحد يملك حتى بيضة، واللحم غائب منذ شهور.

في أحد أحياء غزة القديمة، يُشير أبو عماد، وهو ربّ أسرة نازحة، إلى تنكة بلاستيكية فارغة، ويقول: “هنا كنا نطبخ الملوخية مع العيد، الآن نغلي الماء مع شوية ملح”.

المشهد العام قاتم، المجاعة تنتشر بصمت، ومعها الجوع يفترس الكبار قبل الصغار.

تقارير طبية من مستشفيات غزة تتحدث عن حالات إغماء بسبب الجوع، خصوصًا بين الأطفال والنساء الحوامل، وسط تحذيرات من سوء تغذية حاد قد يتحول إلى كارثة إنسانية واسعة.

ورغم وصول بعض شحنات المساعدات إلى المعابر، فإن إسرائيل تمنع وكالات الأمم المتحدة من توزيعها بحرية، وتتركها لقمة سائغة لللصوص، وتستهدف طائرات الاحتلال كل من يحاول تأمينها.

تشير مصادر حقوقية إلى أن سلطات الاحتلال تُقيّد حركة الشاحنات، وتُجبر المؤسسات على التنسيق مع جهات أمنية تابعة لها، ما يجعل المساعدات “أداة ابتزاز سياسي” بدلًا من كونها حقًا.

“الناس تموت جوعًا، والعالم يتفاوض على الطحين كأنه سلاح”، يقول أحد العاملين في مجال الإغاثة، طلب عدم كشف اسمه.

الاحتلال يمنع أي تأمين أي شاحنة، ويتعمد جعلها سائغة أمام اللصوص، يتابع.

في شوارع غزة، لا يوجد أثر للعيد. لا أضواء، لا ملابس جديدة، ولا حلويات.

حتى تكبيرات المساجد تُسمع بصوت خافت، وسط دمار وألم لا يُشبه أي مشهد آخر.

في مخيمات النزوح، تحاول الأمهات إلهاء الأطفال بألعاب من قماش قديم أو أغطية فارغة، تصنع منهن دمى خيالية.

تقول مريم، وهي أم لأربعة أطفال تقيم تحت خيمة قماشية قرب جباليا:
“العيد كان يوم فرح… اليوم هو تذكير بأننا منسيّون”.

منظمة “أطباء بلا حدود” كانت قد حذرت مؤخرًا من تفشي المجاعة في شمال القطاع، مؤكدة أن “مستوى الجوع تجاوز حدود التحمل”.

كما أشار تقرير صادر عن برنامج الغذاء العالمي إلى أن “مستوى انعدام الأمن الغذائي في غزة هو الأعلى عالميًا، مع وجود مئات الآلاف دون أي وسيلة للبقاء”.

المفارقة أن هذا يحدث في وقت يتحدّث فيه العالم عن “هدنة إنسانية” و”ممرات آمنة”، بينما الواقع على الأرض يُكذّب كل التصريحات.
“العيد يأتي بالاسم فقط،” تقول أم محمد، “أما نحن فنعيش يوم الحشر… لا ماء، لا طحين، لا أمان.”

ورغم كل هذا، لا تزال غزة تحاول أن تتنفس. أناس يرفعون دعاءهم إلى السماء، وأمهات يسرقن لحظات ضحك من أطفالهن ليقنعوهم أن العيد… قادم.

لكن الحقيقة المؤلمة تبقى: طالما أن الطحين يُمنع، والغذاء يُعسكر، والموت يُساوم عليه، فإن العيد لم يأتِ بعد… ولن يأتي قريبًا.

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة