إسلام أوزكان
تعليقاً على هجمات إسرائيل ضد إيران، أتت تصريحات زعيم غربي، يدعم إسرائيل مباشرة ويعرف النظام الصهيوني من قرب أكثر من أي شخص آخر، في كلماتٍ تستحقّ تأكيدها بقلم أسود مرات عدة! ومع ذلك، لم تعطِ وسائل الإعلام العالمية (التي كانت ستبدي أهمّية كبرى لمثل هذه التصريحات لو صدرت عن زعيم خارج الدول الغربية) الموضوعَ الاهتمامَ الكافي. كان ذلك مهمّاً، لأنّ المستشار الألماني فريدريش ميرز، اعترف ـــــ بصراحة غير مسبوقة من زعيم غربي ـــــ بأن إسرائيل تقوم بـ«الأعمال القذرة» نيابة عن الغرب.
ثمّة نقاط ثلاث بارزة هنا: الأعمال القذرة لإسرائيل، الأعمال القذرة للغرب، وتحوّل إسرائيل إلى أداة للدول الغربية.
يوضح هذا التصريح لماذا حظيت إسرائيل بدعم غربي غير مشروط ولا نهائي منذ تأسيسها، وخاصة بعد حرب 1967. بالنسبة إلينا، هذا ليس مفاجئاً، فنحن نعلم القيمة التي تمثّلها إسرائيل للدول الغربية، وخاصّة الولايات المتحدة، ولكن الجرأة والوقاحة في قول هذه الكلمات تحمل دلالات كبيرة.
لقد قُدّمت إسرائيل لنا منذ البداية كدولة أُسّست وفقاً للقانون الدولي لحماية شعب بلا دولة من الإبادة الجماعية وضمان عيشه كأمّة مستقلة. هذه الكلمات تؤكّد أنّ هيكلية إسرائيل، التي لا تشبه أي عملية بناء دولة أو أمّة في العالم، لم تُنشأ لحماية شعب مضطهد أو أتباع دين، أو للدفاع عن حقوقهم المستمدّة من القانون الدولي، بل لأغراض مختلفة تماماً.
الدمار الناجم عن تقلّبات ترامب
ومثل المستشار الألماني، كانت مواقف وتصريحات دونالد ترامب لافتة منذ البداية. يتحدّث كما لو كان رئيس أركان إسرائيل لا رئيس الولايات المتحدة، وهو نهج غير مسبوق في تاريخ أميركا. بعد هجمات إسرائيل على طهران مباشرة، وصف ترامب الهجمات الليلية على إيران بأنها «هجوم ناجح جداً». وبعد أيام قليلة، دعا الشعب الإيراني إلى إخلاء طهران.
إنّ إدارة الولايات المتحدة في يد شخص غير مستقرّ، لا يكتفي بجرّ المنطقة إلى الفوضى، بل يهدم الهيكلية المؤسسية للدولة الأميركية، ويعرّضها للسخرية، ويدمّر ما تبقّى من هيبتها.
إنه جاهل لدرجة أنه لا يدرك الكيفية التي يجرّ بها العالم إلى الفوضى اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً. زعم أنه يسعى إلى منع الحروب العالمية، وحاول التوسّط بين روسيا وأوكرانيا، ولكن ما يفعله في المنطقة أخيراً لا يحمل أي تناسق مع ما يقوله؛ هاجمت الولايات المتحدة اليمن بأوامره، وبعد وقت قصير أعطى الضوء الأخضر لهجوم على إيران.
وعندما نضع جانباً موقفه غير المتّزن والجدير بالازدراء، ونحاول فهم ما يريد فعله، نرى أن ترامب، الذي ظنّ أنه يستطيع انتزاع التنازلات التي يريدها من إيران في المفاوضات بسهولة، وعندما لم يحصل على ما يريد، أطلق إسرائيل ككلب البُلْدُغ على إيران بثقة فارغة تماماً.
مقال محمد بازي في «الغارديان» البريطانية مهمّ جداً: نتنياهو «تغلّب» على ترامب، وهجمات إسرائيل على إيران أجهضت جهوده للتوصّل إلى اتفاق نووي مع طهران.
في وقت استثمر فيه ترامب رأس ماله السياسي في الديبلوماسية، جاءت هجمات إسرائيل، وخاصة محاولة اغتيال علي شمخاني المسؤول عن المفاوضات النووية، لتدمّر هذه العمليّة. يشير بازي إلى أنّ الدعم غير المحدود الذي قدّمه ترامب لإسرائيل، بما في ذلك مساعدات الأسلحة بمليارات الدولارات، شجّع نتنياهو على اتخاذ مخاطر أكبر، ما زاد من احتمال جرّ الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية جديدة. صورة ترامب «السلمية» تتناقض تماماً مع هذا الدعم.
هل تركع إيران إذا استشهد الخامنئي؟
وتصريحات ترامب حول الخامنئي تبدو كإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة قد تكون طرفاً في هجوم إسرائيل، ولكنها، قبل كل شيء، دليل على جهل بالمنطقة. إذ قال ترامب عن قائد الثورة الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي: «نعرف بالضبط أين يختبئ. إنه هدف سهل ولكنه آمن هناك. لن نقضي عليه، على الأقل الآن». هذا يذكّرنا بالمثل التركي: «يتباهى بشجاعته بينما يعترف بسرقته».
من الطبيعي أن يجهل شخص مثل ترامب ثقافة الشهادة عند المسلمين، ولكن أن يعتقد أن قتل الخامنئي سيوقف الثورة الإسلامية أو يجبر إيران على الركوع، وألّا يواجه هذا التصريح معارضة جادّة داخل الولايات المتحدة، فأين نضع هذا؟ بل دعونا نتجاوز ذلك، هل لديه أدنى قلق بشأن الكيفية التي قد تجرّ بها المشاركة المباشرة في الهجمات الاقتصادَ العالمي إلى الفوضى أو المنطقة إلى عدم الاستقرار؟ لا أعتقد ذلك. هذا يكشف عن حالة مأساوية تُظهر كيف أصيب العقل المؤسّسي الأميركي بالشلل في العقد الأخير، وكيف استسلمت الهياكل المؤسّسية لجنون بعض القادة.
إذا أُجبرت إيران على الركوع بطريقة ما، إذا سقطت قلعة إيران، إذا استسلمت إيران للإمبريالية بأي شكل، فكيف ستبدو المنطقة؟
من زاوية أخرى، تنطبق الحالة ذاتها على إسرائيل. في فيديو لسجال انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بعد هجوم إيراني مباشرة، قال سموتريتش، الفاشي المتطرّف، أنه «لم نفهم قوة الصواريخ الإيرانية ودقة إصابتها بشكل كافٍ». هذا النقص في الحسابات، الذي ينطبق أيضاً على إسرائيل التي يُفترض أنها تمتلك قوة استخباراتية وتكنولوجية هائلة، يوضح كيف أعمت الكراهية تجاه إيران ومحور المقاومة العقل الصهيوني، وكيف قضت على الحس السليم.
موقف العالم الإسلامي
من الضروري قول بضع كلمات عن موقف دول المنطقة. رغم أن الخطاب الرسمي لبعض الدول، مثل الأردن، يتناقض مع مواقفها العملية، فإننا نجد موقف العالم العربي والإسلامي بشكل عام تجاه هجمات إسرائيل إيجابياً. لكن هذا لا يكفي.
يبدو أن العالم الإسلامي لم يدرك بعد حجم الخطر الذي يواجهه من إسرائيل. إذا أُجبرت إيران على الركوع بطريقة ما، إذا سقطت قلعة إيران، إذا استسلمت إيران للإمبريالية بأي شكل، فكيف ستبدو المنطقة؟
لو أدرك العالم الإسلامي أنّ أمنه، بل استقلاله وسيادته، ستكون تحت التهديد، هل كان سيكتفي بالبيانات وإدانة هجمات إسرائيل، أم أنه كان سيقف إلى جانب إيران؟ لا أحد يتوقع أو يتطلّع من الدول الإسلامية أن تخوض المعركة إلى جانب إيران، ولكن ألا يمكنها على الأقلّ تقديم عُشر ما تقدّمه الولايات المتحدة أو ألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا لإسرائيل؟ لو قدّموا دعماً استخباراتياً أو لوجستياً لإيران، أو حتى لو منعوا أنشطة الاستخبارات المضادة للولايات المتحدة وحلف «الناتو»، أو أغلقوا مجالهم الجوّي، لكان ذلك مساهمة كبيرة تعزّز صمود إيران في مواجهة الهجوم الإمبريالي وتزيد من مقاومتها.
لعبة الظل بين «الناتو» وإسرائيل وإيران
يوضح تقرير نُشر في صحيفة «برافدا» الروسية بالتفصيل كيف تقوم عناصر تابعة لحلف «الناتو» بأنشطة استخبارات مضادة على الحدود الإيرانية. ذكرت الصحيفة أنّ طائرة «الناتو» E-3A AWACS المتمركزة في قاعدة بمدينة قونية التركية منذ أواخر أيار/مايو، تعمل تقريباً يومياً على الحدود العراقية-الإيرانية، حيث ترسم خرائط لأنظمة الرادار والحرب الإلكترونية والدفاع الجوّي الإيراني، مقدّمة دعماً حاسماً للقوّات الجوّية الإسرائيلية. لوحظت زيادة في صور الأقمار الاصطناعية للمنشآت العسكرية والنووية مثل موقع سمنان، فيما تكثّفت رحلات الاستطلاع فوق خليجي فارس وعمان. كما أشارت الصحيفة إلى أن طائرات بيرقدار وغيرها من الطائرات من دون طيار تقوم بدوريات على مدار الساعة على الحدود الإيرانية.
باختصار، إذا كانت دولة مثل تركيا، التي تتحدّث باستمرار على مستوى البيانات عن تهديد إسرائيل، غير قادرة، أو تختار عدم منع أنشطة «الناتو» المؤيّدة لإسرائيل والمعادية لإيران، فهل يمكن القول إنها تدرك خطر الصهيونية بشكل كافٍ؟
إذا سقطت إيران، ستسقط المنطقة. اعتراف ميرز، وتذبذب ترامب، ولعبة الظل التي يلعبها «الناتو»، تكشف عن محاولة الغرب لتصميم المنطقة من خلال إسرائيل. يجب على العالم الإسلامي أن يأخذ هذا الخطر على محمل الجد وأن يتبنّى موقفاً أكثر نشاطاً إلى جانب إيران. وإلا، فلن تكون إيران وحدها هي التي ستُسحق تحت ظلّ الإمبريالية، بل ستكون المنطقة بأكملها، وسيصبح استقلالها مهدّداً.
* كاتب تركي