إلهامي المليجي
كاتب صحافي مصري
في لحظة تتهشم فيها الأقنعة، ويُعاد رسم خرائط الدم بالنار والفتك، تتعرض إيران لعدوان ليس كغيره. فليس ما يجري اليوم حرباً بالمعنى التقليدي، بل هو إشهارٌ فاضحٌ لوحشيةٍ دوليةٍ لم تعد تخجل من شهواتها العارية: كيان صهيوني منفلت، مدعوماً من إمبراطورية الكذب الأميركية، يطلق النار على آخر ما تبقّى من صوتٍ يعارض، من جبهةٍ تقول “لا” في وجه “نعم” المعلّبة والمباعة بالجملة في أسواق الخنوع العربي.
إيران الآن لا تواجه مجرد قنابل، بل تواجه خريطة دُبّرت بليل، وُضعت فيها علامة ( إكس )على كل من تبقى خارج بيت الطاعة. إنها الهدف النهائي لمشروع قديم – متجدد: تفكيك الإرادات، وإسكات الأصوات، وتحويل الشرق من بحرٍ مقاوم إلى مستنقع تابع، صامت، راضٍ بذلّه.
لكن إيران، كما عهدناها، لم تضع السلاح، ولم تُلقِ البوصلة، ولم تُغلق قلبها عن فلسطين، ولم تحن جبهتها أمام السادة الجدد.
العدوان الصريح… وفضيحة التحالفات
ما يجري الآن ليس مجرد ضربة عابرة، بل عدواناً معلناً، تقوده الآلة الصهيونية بتغطية أميركية وتواطؤ من أنظمة إقليمية اختارت أن تكون أدوات في يد العدو. هو تتويج لمسار طويل من الاستهداف، بدأ بالتضييق والحصار، ومر بالتحريض الإعلامي، وانتهى بالغارات في قلب إيران.
العدوان ليس نتيجة حادث، بل هو قرار استراتيجي بإخضاع من رفض أن يكون تابعاً. واهم من يظن أن المسألة تتعلق ببرنامج نووي أو حسابات أمنية. فالمطلوب هو رأس النموذج، لا ترسانة السلاح.
لماذا تُستهدف إيران؟
لأنها قالت لا، حين قال الجميع نعم.
لأنها دعمت فلسطين حين صار دعمها رجساً سياسياً.
لأنها مدّت يدها للمقاومة في غزة وبيروت وصنعاء، لا لتطويعها بل لتحصينها.
لأنها حاربت الهيمنة بالسلاح حين لزم، وبالوعي حين وجب، وبالتحالفات حين أمكن.
إيران تُستهدف لأنها لم تنحنِ، ولم تدخل أسواق التطبيع، ولم تجعل بوصلتها لا واشنطن ولا “تل أبيب”، بل القدس… كل القدس.
حين يصبح المبدأ أخطر من الصاروخ
المشكلة مع إيران ليست في قوتها، بل في معناها.
في قدرتها على أن تُبقي شعلة التمرد مشتعلة، أن تفضح زيف الصفقات، أن تبني تحالفاً من المستضعفين لا من الكراسي.
إنها الدولة التي قاومت العزلة باحترام الذات، وعبرت الحصار بكرامة، وواجهت الاختراق بصلابة.
ما يُراد اليوم هو إخضاع الإرادة، لا تحييد الخطر. المطلوب هو إسقاط النموذج، لا تقييد البرنامج.
حكمة المقاومة… وكرامة الرد
إيران، على عكس ما يروّجه الإعلام المأجور، لم تكن يوماً دولة حرب. بل سارت على نهج علي بن أبي طالب حين قال لابنه الحسن:
“لا تَدْعُوَنَّ إِلَى مُبَارَزَةٍ، وَإِنْ دُعِيتَ إِلَيْهَا فَأَجِبْ؛ فَإِنَّ الدَّاعِيَ إِلَيْهَا بَاغٍ، وَالْبَاغِي مَصْرُوعٌ.”