آخر الأخبار

حكام ونخب وجماهير أمة عربية واحدة .. ذات كازوزة باردة

IMG-20250711-WA0283

حمزة البشتاوي

يعيش العرب بشعارات إنشائية مقفّاة، لم تنجح بزرع الأمل في قلوب الناس الذين ينظرون إلى تلك الشعارات بأنها مجرد كلام لا يمت للحقيقة والسياسة والأدب بأي صلة، بعد أن حولتها السلطة إلى مجرد ألفاظ، تتردد على ألسنة الخطباء من نخب السلطة وجماهيرها الصامتة، التي اعتادت على الإنشائية والرومانسية الفاقعة والمنافقة، دون أي فعل أو تفاعل مع الأحداث.

ولم تتحول هذه الشعارات والبيانات والخطابات الرسمية والحزبية التي تقال على المنابر والشاشات إلى حراك جدي يشبه تلك النصوص المزخرفة، التي تدعو إلى الثورة ضد الغزاة والطغاة، لأنها وبالحد الأدنى قد فقدت معانيها، بعد أن أستهلكها الحكام والنخب الذين استبدلوا البلاغة بالمبالغة والكذب وصولاً إلى الصمت المريب تجاه ما يجري في قطاع غزة من إبادة وتجويع، وطال هذا الصمت الخطاب السياسي والأدبي والأحاديث الشعبية، والواقع يشير إلى أن الصمت يشبه الخيانة أكثر مما يشبه العجز داخل دويلات ومذاهب وتيارات ومجموعات تدعمها مقولات (دينية) لا تخدم سوى الحكام أصحاب المراجل الخيالية، العاجزين عن إتخاذ أي موقف تجاه المجوعين المحاصرين بالمدافع والدبابات والطائرات الصهيونية التي أصبحت تتزود بالوقود فوق أجواء الحلم العربي وقلب العروبة، وبلاد العرب أوطاني التي تكبر وتنمو فيها أوكار التجسس وأجهزة المخابرات التي تتمرجل على الجميع باستثناء الأعداء.

وقد أثبتت غزة اليوم بأن العرب حاضرهم شرذمة وخذلان ومستقبلهم أكثر صهيونية مما هو عليه الآن، وأن صمتهم تجاه غزة لا يعني توقفهم عن الجري وراء المال والتسلح وناطحات السحاب، والترفيه وحياة البذخ والترف والمناسف والقمع والتحالف مع الأعداء، على المستوى السياسي والثقافي والإقتصادي وحتى العاطفي، لكي يحافظوا على رومانسية الشعارات، التي ما زالت تطلقها أنظمة الشأن المحلي أولاً، والعائلات والفساد وهدر الكرامات، بطريقة تخلط ما بين الوطنية والخيانة، وما بين السلام والإستسلام، وتردد النخب والجماهير الغائبة أو المقموعة أو المرتهنة، شعارات هذه الأنظمة التي تريد تغييب فلسطين عن الفعل والسلوك والرؤية والمستقبل، وسط فراغ معرفي وسياسي وثقافي يطال الأنظمة والنخب والجماهير.

وتطرح غزة السؤال حول تلك الشعارات والأفكار الوطنية والقومية، بعد أن تحولت البطون إلى ساحة معركة والأمعاء ميدان حرب، وتسأل: أي هي النخب والجماهير التائهة ما بين المسلسلات العربية والتركية ومباريات كرة القدم المحلية والأوروبية، من مشاهد الموت جوعاً في قطاع غزة، وأين هي النخب والأحزاب والمشاريع والأفكار والبرامج النهضوية والإسلامية والقومية واليسارية والوطنية التي لم نرى منها عند العرب، سوى أكل القلوب ونسف الحضارة والشرذمة وتهجير الناس، وسط تاريخ حافل من القتل والشعارات التي ترددها نخب ساذجة ونخب نفطية، ونخب أصبحت اليوم تستخدم أردئ مستحضرات التجميل، لتروج لفكر إنعزالي تقسيمي وانتحاري، أحياناً بقناع وأحياناً بدون قناع.

وما يهم غزة الآن هو معرفة أحاسيس ومشاعر الحكام والنخب والجماهير وهي تنظر إلى أطفال غزة وقد تحولوا إلى أشباح عظام وجلد، وأين هو ضميرهم الإنساني الذي يقال بأنه غاب لصالح فوائد ومزايا الخضوع والتطبيع، وضاعت عندهم فضائل القيم والإلتزامات الوطنية والعربية والدينية، لتحل مكانها مرجعيات الولاءات المذهبية والقبلية والنفعية وصولاً إلى الصمت المشارك بالجريمة، مما يستدعي محاكمة وإعلان موت العرب.

وبينما تعلوا أصوات بعض النخب والجماهير في أوروبا وغيرها من دول العالم، يزداد صمت العرب، ولا يسمع إلا بعض الهمس الخفيف، تعبيراً عن قلة الحيلة وتراجع دور النخب والأحزاب، التي تنام في حضن الأنظمة والحكام، وهذا ما جعل المجتمع العربي يعيش حالة من اليأس والخوف والشلل والإبتعاد عن شعارات الأنظمة والأحزاب التي لم تفدم شيئاً لفلسطين.

ولما كانت النخب العربية تجيد تبديل الجلود وتغيير مواضع الكلام، فإن الناس بعد أن فقدوا الثقة بالنخب السياسية والنخب الثقافية، أصبحوا يبدلون مواضع الكلام والشعارات الكاذبة، وعندما يطلب منهم أن يرددوا على سبيل المثال، بعد عبارة أمة عربية واحدة، يستبدلون عبارة ذات رسالة خالدة بعبارة ذات كازوزة باردة، لأن ذلك أنفع من الرسالة الخالدة الغائبة والمتخاذلة، والتي لم يروها، لا في الأفكار ولا في الأهداف، بل هي مجرد جعجعات وتنظيرات فارغة، في زمن الكذب والخداع والتضليل واللصوصية والخيانة، وانعدام النخوة عند العرب الصامتين، من قادة الأحزاب والفكر الذين ينطبق عليهم، وليس فقط على حكامهم ما قاله الشاعر مظفر النواب:

تتحرك دكة غسل الموتى أما أنتم

لا تهتز لكم قصبة

وقد سقطت حتى اللحظة النخب والجماهير في اختبار غزة، وسجلت هزيمة مدوية أمام الجوع والدم، وبعض النخب باعوا كرامتهم بثمن بخس، ولكن أطفال غزة يتمنون حصول مفاجأة من قبل الحكام العرب يعلنون فيها إضرابهم عن الطعام حتى الموت أو إدخال الطعام، وبحال نجحوا خلال إضرابهم بإدخال الطعام فهذا موقف للتاريخ، وأما إذا ماتوا خلال الإضراب عن الطعام فإنهم يربحون الجنة وتربح شعوبهم الحياة على الأرض.

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة