آخر الأخبار

ثمن الإبادة والتجويع.. كيف غيّرت غزة مسار العلاقات الدولية مع إسرائيل؟

2165916773

أحدثت حرب الإبادة الجماعية، التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ قرابة عامين، تغيرًا ملحوظًا في الموقف الدولي تجاه كيان الاحتلال، سواء على المستوى الشعبي أو في تقديرات كثير من الأنظمة التي لم تكن تبرح موضع الدفاع عن إسرائيل حتى وقت قريب.

ومع طول أمد الحرب، وتفاقم الأزمة الإنسانية، حتى تعددت أشكالها بين قصف وتجويع وحصار، لم تجد الأنظمة الغربية بُدًّا من أن تُغير خطابها -بل ومواقفها- تجاه الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، حتى لو لم تُؤدّ تلك المواقف إلى الإسهام في وقف هذه الحرب.

ويمثل هذا التطور الذي وصفه رئيس شبكة المنظمات الأهلية في قطاع غزة أمجد الشوا بأنه “إنذار حقيقي للمجتمع الدولي”، تحركًا لم يقتصر تأثيره على الشارع الشعبي، بل امتد ليطال أروقة صنع القرار في العواصم الأوروبية والأمريكية.

تصنيف عالمي لمجاعة غزة

وفي تحذير جديد من عواقب كارثية للمجاعة في القطاع، قال مرصد عالمي للجوع إن السيناريو الأسوأ لحدوث مجاعة يلوح في الأفق حاليًّا في القطاع.

وأكد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في العالم، أن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن انتشار الجوع وسوء التغذية والأمراض تسهم في ارتفاع الوفيات المرتبطة بالجوع.

ويضيف التحذير أن أحدث البيانات تشير إلى أن استهلاك الغذاء بلغ حد المجاعة لدى المواطنين في أنحاء قطاع غزة، وأن سوء التغذية الحاد يتركز في مدينة غزة.

الصورة الدموية لإسرائيل

ويكشف الوضع الراهن عن إستراتيجية تجويع ممنهجة بدأت منذ اللحظات الأولى للعدوان، كما يوضح الشوا الذي يشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي قام بحساب السعرات الحرارية والكميات التي تدخل إلى القطاع، ونفذ تدميرًا ممنهجًا للبنى الاقتصادية والاجتماعية لزيادة اعتمادية السكان على المساعدات.

ووصف هذه السياسة خبراء إسرائيليون أنفسهم بأنها الأكثر منهجية وتنظيمًا منذ الحرب العالمية الثانية، وقد تركت آثارًا عميقة على النخب الإسرائيلية ذاتها.

وفي هذا السياق، يشهد المجتمع الإسرائيلي حراكًا متزايدًا ضد سياسات حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية؛ حيث يؤكد الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى أن أكاديميين وفنانين وأدباء إسرائيليين بدأوا يشاهدون كيف تغرق إسرائيل في وحل أخلاقي سيرافقها لعشرات السنوات.

وتجسد هذا الحراك في بيانات من 5 جامعات إسرائيلية ومطالبات بحل مشكلة قطاع غزة، مما يعكس قلقًا متزايدًا من انهيار الصورة الدولية لإسرائيل التي كانت تعتبر نفسها ضحية وممثلة للهولوكوست اليهودي.

عقوبات أوروبية

وبينما يتصاعد الضغط الداخلي الإسرائيلي، تشهد الساحة الأوروبية تحركات جدية نحو فرض عقوبات على إسرائيل، كما يوضح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف الدكتور حسني عبيدي أن أوروبا بدأت تقود حملة داخل الاتحاد الأوروبي لتعليق الاتفاقيات التجارية والتعاون العلمي مع إسرائيل.

ويحمل هذا التهديد بالعقوبات الأوروبية تأثيرًا مضاعفًا على إسرائيل، نظرًا لأن البحث العلمي والتطوير الإسرائيلي مبني بالكامل على العلاقة العلمية مع الاتحاد الأوروبي، كما يشرح مصطفى، حيث إن التلويح بقطع هذا التعاون يعني انهيار عملية البحث العلمي والتطوير في إسرائيل نهائيًّا، مما يفسر الحراك الأكاديمي الإسرائيلي المتزايد ضد سياسات الحكومة.

وفي وقت سابق، قررت هولندا منع وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش من دخول أراضيها.

وكان وزير الخارجية الهولندي كاسبر فيلدكامب قد أعلن في وقت سابق، في رسالة وجهها إلى البرلمان الهولندي، أن الوزيرين لن يتمكنا من دخول هولندا بسبب تحريضهما على العنف ضد الفلسطينيين ودعوتهما إلى توسيع المستوطنات غير الشرعية، ودعواتهما كذلك إلى التطهير العرقي في قطاع غزة.

وعلى الصعيد السياسي، يشهد ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية تطورات مهمة، بدءًا من الموقف الفرنسي وصولًا إلى التصريحات البريطانية الأخيرة.

فقد أعلن رئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن بلاده ستعترف رسميا بالدولة الفلسطينية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل، وهو نفس القرار الذي أعلن عنه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الذي ربطه بشرط عدم اتخاذ الحكومة الإسرائيلية خطوات جوهرية لإنهاء الوضع “المروع” في غزة.

بَيد أن النائبة السابقة في البرلمان البريطاني كلوديا ويب تنتقد بشدة ربط الاعتراف بشروط، معتبرة أن الدولة الفلسطينية حق لا يمكن إنكاره وليس وسيلة للمقايضة والمساومة مع إسرائيل.

تنامي الضغوط الشعبية

وتأتي هذه التطورات في ظل تنامي الضغوط الشعبية في الدول الأوروبية، حيث تشير ويب إلى أن الشعب البريطاني يخرج في مظاهرات كل يوم وفي كل عطلة نهاية أسبوع دفاعًا عن فلسطين، لأن الناس لم يعودوا يتحملون رؤية هذه الفظائع تحدث أمام أعينهم يوميًّا.

وهو نفس الضغط الشعبي الذي يلاحظه عبيدي في جميع أنحاء أوروبا، لافتًا إلى أنه بدأ يؤثر على قرارات المفوضية الأوروبية وحكومات القارة.

ورغم هذه التطورات الإيجابية، يبقى التحدي الأكبر في تحويل هذه المواقف إلى إجراءات فعلية على الأرض؛ حيث يؤكد الشوا أن الشعب الفلسطيني لن يفقد الأمل مهما حدث.

ولكنه يشدد على ضرورة أن تتحول هذه المواقف إلى إجراءات وتدابير حقيقية وليس فقط ربطها ببعض الأمور الإنسانية، مطالبًا بمسار سياسي حقيقي لوقف العدوان وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة