آخر الأخبار

فتح: مشروع وطني بين الثوابت وواقعية السياسة

e8bff859-6abe-4b6f-a0e9-c8d79d2687e6

بقلم : عصام الحلبي

في عالم تتبدّل فيه التحالفات وتتغير الموازين، تبقى حركة “فتح” عنواناً واضحاً للهوية الفلسطينية ورافعة للحق الوطني. لم تولد كتنظيم عابر، بل كمشروع وطني شامل أراد إعادة الفلسطيني إلى موقعه الطبيعي ،صاحب الأرض والهوية والقرار. ومنذ البداية، رسمت حركة فتح لنفسها معادلة صعبة، التمسك بالثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني، والانخراط في معادلة سياسية واقعية تستطيع مخاطبة العالم دون التفريط في الجوهر الوطني للقضية.

الثوابت… خطوط حمراء لا تتبدّل

في كل منعطف سياسي، حرصت حركة “فتح” على ترسيخ ثلاثة ثوابت أساسية لا يمكن التنازل عنها:

1. الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة برا وبحرا وجوا.

2. القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، بقداستها التاريخية والدينية والوطنية.

3. حق العودة للاجئين، باعتباره قلب الصراع وجوهر العدالة التاريخية وأساس أي تسوية تعيد الحقوق لأصحابها.

لم تتعامل الحركة مع هذه الثوابت كشعارات بل كهوية نضالية، مرجعية تصوب البوصلة كلما حاول الآخرون فرض حلول منقوصة أو مشاريع بديلة.

واقعية السياسة في زمن الانحياز الدولي الفاضح

تدرك “فتح” أن النظام الدولي قائم على موازين قوى غير عادلة، وأن الولايات المتحدة تحمي الاحتلال وتغطي جرائمه سياسياً وعسكرياً. وفي مواجهة هذا الانحياز، اختارت الحركة نهجاً لا يقوم على الصدام الأعمى، بل على إدارة معركة طويلة النفس، وتثبيت الحق الفلسطيني في لغة القانون الدولي، وفضح ازدواجية المعايير بين الشعارات الغربية وواقع الدعم الأميركي للاحتلال.

هذه الواقعية ليست تنازلاً، بل وسيلة للحفاظ على حق الفلسطينيين واستثمار أي تحول دولي أو إقليمي محتمل لصالح القضية.

مسارات النضال والتحوّل

لم تتوقف “فتح” عن إعادة إنتاج أدوات النضال بحسب كل مرحلة:

مرحلة الكفاح المسلح، حملت البندقية عندما كانت وسيلة وضرورة لإعادة فلسطين إلى الوعي العربي والدولي.

مرحلة العمل السياسي الدولي، اقتحمت الساحة الدولية لتثبيت اسم فلسطين كقضية سياسية وطنيةعادلة.

مرحلة السلطة الوطنية، واجهت تحدي بناء مؤسسات تحت الاحتلال، محاولة تحويل الأرض المحتلة إلى نواة لدولة مستقبلية.
اليوم، ومع تصاعد الاستيطان واستمرار الانقسام، تواجه الحركة اختباراً جديداً وهو الحفاظ على وحدويتها، وتجديد شرعيتها الشعبية، وبناء شراكة وطنية تعيد تعريف المشروع الفلسطيني أمام مشاريع التصفية وتعيد له حضوره وزخمه.

البعد الداخلي… التحديات والفرص

تضم حركة “فتح” تيارات وأجيالاً متعددة، ما منحها قوة تاريخية لكنه أيضاً يمثل هذا تحدياً تنظيمياً إذا لم يُدار بوعي، ومن أبرز هذه التحديات:

تجديد الخطاب السياسي والتنظيمي: الأجيال الجديدة تبحث عن رؤية واضحة تتجاوز إدارة الأزمة اليومية.
مواجهة الانقسام الفلسطيني والدفع بقوة نحو المصالحة مع الفصائل ضرورة وجودية لا خيار تكتيكي.

الشرعية الشعبية: استمرار “فتح” في قيادة الشعب الفلسطيني يتطلب الالتزام بإرادة وتطلعات المواطنين الفلسطينين، بعيدا عن التوازنات الداخلية أو الضغوط الخارجية.

مع ذلك، ما يميز الحركة هو قدرتها على استعادة المبادرة إذا ما انفتحت على النقد الذاتي، واستثمرت طاقاتها كافة وأساسها الشبابية، وأعادت الاعتبار لروحها الوحدوية الأولى.
فتح بين الماضي والمستقبل

قوة “فتح” لم تكن يوماً في امتلاك السلاح وحده، ولا في موقعها الرسمي داخل المؤسسات، بل في قدرتها على أن تكون مرجعية وطنية كبرى تجمع بين أطياف المجتمع الفلسطيني وتبقي القضية حاضرة في وجدان الأمة والعالم. واليوم، في زمن تغوّل الاستيطان وحماية الولايات المتحدة للاحتلال، لا تملك الحركة ترف التراجع أو التردد؛ بل هي مدعوة إلى استنهاض طاقتها الداخلية وتجديد خطابها ، وتكريس حضورها وإعادة الاعتبار لمشروعها الوطني و الوحدوي، والذي ناضلت ودفعت الكثير من أجله.

إن معركة الحرية لم تنتهِ، بل دخلت فصولها الأشدّ قسوة. و”فتح”، التي عرفت كيف تُشعل الثورة من تحت ركام النكبة، قادرة على إعادة إنتاج فعلها النضالي بروح جديدة، تستند إلى ثوابتها الوطنية الكبرى، القدس عاصمة أبدية، العودة حق لا يسقط بالتقادم، والدولة الفلسطينيةالمستقلة غاية وهدف لا بد أن يتحقق.

الرسالة الأهم اليوم هي أن فلسطين لن تُقاس بموازين القوى الراهنة، بل بقدرة شعبها على الصمود والتمسك بحقوقه حتى النهاية. التاريخ لا يرحم الضعفاء، لكنه يحفظ لأولئك الذين قاوموا حتى اللحظة الأخيرة وبكافة ادوات ووسائل النضال، و”فتح” تعرف أن قدرها هو أن تكون في قلب هذه المعركة، كهوية ووجود ومصير.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة