آخر الأخبار

شهادات تكشف مأساة النزوح القسري وخرائط إسرائيلية تضلل الواقع الإنساني

21ipj-16

“الانتقال اليوم ليس مجرد العثور على قطعة أرض فارغة، بل رحلة معاناة وخوف ورعب.. هناك من يفضّلون النوم بين الركام أو على الطرقات. لا مكان نذهب إليه”. بهذه الكلمات لخصت مواطنة من مدينة غزة معاناة آلاف الأسر في مواجهة أوامر الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء المدينة والنزوح جنوبًا.

تضيف المرأة، التي تكابد مع أسرتها صعوبة البقاء على قيد الحياة: “تكلفة المرحاض النقال تصل إلى 1,500 شيكل، والخيمة البسيطة 4,500–5,000 شيكل، أي أن العائلة تحتاج إلى نحو 12,500 شيكل لتتمكن من النزوح. كيف يمكن لأسرة أن تدفع هذه المبالغ في ظل الحصار والجوع؟”.

وتشهد المناطق الشمالية من مدينة غزة موجة نزوح قسرية جديدة، تحت وطأة تكثيف جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفه وإصدار إنذارات للفلسطينيين بإخلائها ضمن خطته لإعادة احتلال المدينة.

وغادرت عشرات العائلات منازلها في منطقة جباليا النزلة شمال مدينة غزة، وحملت ما استطاعت حمله من متاع، مستخدمة عربات تجرها حيوانات أو سيرا على الأقدام، متجهة نحو المناطق الغربية للمدينة.

وتروي النازحة من جباليا البلد فلسطين حلاوة مأساتها مع النزوح: “القصف كان فوق رؤوسنا (…) لا زوج ولا شباب يساعدونني، الجيش ألقى علينا مناشير من طائرات مسيّرة يأمرنا بالنزوح جنوبا، لكننا لجأنا إلى غرب غزة”.

وتردف: “ألقى الجيش علينا أيضا قنابل غاز، ما أثار خوف الأطفال وذعرهم، وبعضهم يعاني من أمراض صدرية ازدادت سوءا”. وتوضح أنها تقيم في خيمة تفتقر لأبسط مقومات الحياة، حيث لا طعام ولا ماء قريب، ما يضطرهم للبحث عنه بظروف قاسية.

وتناشد المواطنة الفلسطينية دول العالم لتوفير المأكل والمشرب ووقف الحرب المتواصلة على قطاع غزة منذ 23 شهرا.

وفي 8 أغسطس/ آب الجاري أقرت حكومة الاحتلال خطة طرحها رئيسها بنيامين نتنياهو لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل تدريجيا، بدءا بمدينة غزة. وتنص الخطة على تهجير نحو مليون نسمة من مدينة غزة إلى الجنوب، ثم تطويقها وتنفيذ توغلات في التجمعات السكنية، على أن تشمل المرحلة الثانية احتلال مخيمات اللاجئين في وسط القطاع.

وحذرت منظمات أممية، عبر بيان مشترك في 22 أغسطس، من أن الهجوم على مدينة غزة سيضاعف معاناة الفلسطينيين المجوعين.

خرائط مضللة وتهجير قسري

المكتب الإعلامي الحكومي في غزة اتهم، في بيان اليوم الخميس، جيش الاحتلال بـ”الترويج لأكاذيب وخرائط مضللة” تستهدف تهجير سكان مدينة غزة والشمال قسريًا، محذرًا من أن هذه الخطوة تمثل “جريمة حرب” وتفاقم المأساة الإنسانية المستمرة منذ قرابة 700 يوم من العدوان.

وأضاف البيان أن ما يروّج له الاحتلال بشأن وجود “مساحات شاسعة فارغة” في جنوب ووسط قطاع غزة “ادعاء باطل يتناقض مع الواقع الميداني”، حيث تستوعب تلك المناطق بالفعل أكثر من مليون وربع مليون نازح يعيشون في خيام عشوائية تفتقر لأدنى مقومات الحياة.

وبين أن المساحات التي أشار إليها الاحتلال، سواء في المواصي أو مخيمات الوسطى، هي أراضٍ محدودة غير مجهزة لاستيعاب هذا الكم الهائل من البشر، ومعظمها مزارع أو أراضٍ خاصة، وبعضها يستخدم كمناطق عازلة أو مهددة بالقصف، مشددا على أن الاحتلال يسعى لافتعال أزمة إنسانية جديدة.

وشدد الإعلام الحكومي على أن “التهجير القسري” الجاري يخرق المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر نقل السكان بالقوة، معتبرًا ما يجري سياسة تطهير عرقي واضحة تهدف إلى تفريغ شمال القطاع ومدينة غزة من سكانها الأصليين.

وفي وقت سابق، قال الإعلام الحكومي إنه منذ إعلان الاحتلال السماح بإدخال الخيام ومستلزمات الإيواء، لم يدخل إلى غزة سوى نحو 10 آلاف خيمة فقط، أي ما يعادل 4% من إجمالي الاحتياج البالغ 250 ألف خيمة وكرفان، وهو رقم يعكس حجم التلاعب والمماطلة في الاستجابة للاحتياجات الإنسانية العاجلة

أزمة إنسانية لا يمكن استيعابها

وشددت منظمات إنسانية مثل أطباء بلا حدود ومنظمة الصحة العالمية، مراراً على أن السكان في قطاع غزة تعرضوا للتهجير المتكرر، وأنهم يفتقرون إلى أي قدرة مادية أو نفسية على تحمل المزيد من النزوح، خاصة في ظل غياب المياه والغذاء والخدمات الأساسية، وهو ما أكد عليه رئيس بلدية دير البلح، نزار عياش، مبينا أنه “لا يوجد موقع واحد في المنطقة الوسطى قادر على استيعاب خيام جديدة”، وهو ما ينذر بانفجار مأساة إنسانية.

وفي السياق ذاته، حذّر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة أمام مجلس الأمن من أن “التوسع العسكري الإسرائيلي يمثل أسوأ مخاوف سكان غزة الذين يكافحون أصلًا للبقاء”، مؤكدًا أن موجة نزوح جديدة ستكون “كارثية”.

كما شدد المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، عدنان أبو حسنة، على أن أي اجتياح إسرائيلي لمدينة غزة سيؤدي إلى “تسونامي إنساني كارثي”، مؤكدا أن معظم سكان المدينة لا يرغبون في الإخلاء أو التهجير القسري.

وأعلنت الأمم المتحدة، الخميس الماضي، بلوغ عدد الفلسطينيين النازحين في غزة جراء هجمات الاحتلال أكثر من 796 ألف شخص منذ منتصف آذار/ مارس الماضي، مشيرة إلى تسجيل أكثر من 17 ألف حالة نزوح ما بين 12 و20 آب/ أغسطس الجاري.

وذكرت أن 95 بالمئة من النزوح القسري يحدث في مدينة غزة، وأن الناس يفرون من شرق المدينة إلى جنوبها وغربها هربا من القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي.

وفي 20 تموز/ يوليو الماضي، قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة “أوتشا”، إن 88 بالمئة من مساحة قطاع غزة البالغة حوالي 360 كيلومترا مربعا ويسكنها قرابة 2.3 مليون فلسطيني تخضع لأوامر إخلاء إسرائيلية تنطوي على تهجير قسري للفلسطينيين.

مناطق عسكرية

في المقابل، كشفت صحيفة هآرتس العبرية أن الفحص الذي أجراه خبراء خرائط لبيان الناطق باسم جيش الاحتلال، أفيحاي أدرعي، أظهر أن 6 من أصل 19 منطقة حددها الجيش لإيواء النازحين تقع كليًا أو جزئيًا داخل مناطق يصفها الجيش نفسه كمناطق حمراء “محظورة على المدنيين” الوصول إليها بسبب النشاط العسكري فيها.

وأوضحت الصحيفة أن المساحة الإجمالية المتاحة للنازحين لا تتعدى سبعة كيلومترات مربعة، أي نحو سبعة أمتار مربعة للفرد، وهو رقم “كارثي” مقارنة بمليون إنسان يفترض أن يغادروا غزة وضواحيها، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

كما بينت صور الأقمار الاصطناعية أن بعض المواقع التي يروج لها الاحتلال مكتظة أصلاً بخيام النازحين، وأخرى مجرد كثبان رملية أو أراضٍ مغمورة بمياه الأمطار، فضلاً عن مساحات تُستخدم كمناطق عازلة أو معرضة للقصف.

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي مطلق، إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها. وخلّفت الإبادة الإسرائيلية 62,966 شهيدًا و159,266 إصابة وما يزيد على 9 آلاف مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح 317 شخصا، بينهم 121 طفلا.

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة