آخر الأخبار

غزة.. نزوح لا ينتهي تحت القصف الإسرائيلي

170824_Maghazi_NAA_00106

في غزة، لم يعد النزوح حدثًا استثنائيًا، بل صار جزءًا من تفاصيل الحياة اليومية، كلما دوّت صافرات التحذير أو صدرت أوامر إخلاء من قوات الاحتلال الإسرائيلي، تبدأ العائلات رحلة جديدة من التيه، محملة بالخوف وبما استطاعت حمله من أمتعة، أو أحيانًا بلا شيء سوى أجساد مرهقة وقلوب مثقلة.

الطرقات تحولت إلى ساحات للنوم والانتظار، حيث يفترش الناس الأرض ويلتحفون السماء.

بعضهم ينجح في تدبير خيمة رقيقة بالكاد تحمي من الشمس والريح، فيما يبقى آخرون بلا مأوى، يتنقلون بين أطلال البيوت المهدمة أو يلوذون بجدران لا تزال صامدة.

تكلفة النزوح أصبح الحصول عليها حلمًا بعيد المنال، الانتقال من مدينة غزة نحو الجنوب يحتاج في المتوسط إلى نحو ألفي دولار، تشمل أجرة النقل وخيمة متواضعة ومرفقًا صحيًا بدائيًا.

كثير من العائلات لا تملك سوى بضع أوراق نقدية بالكاد تكفي قوت يومها، فيقررون البقاء تحت القصف بدلًا من مواجهة رحلة لا طاقة لهم بها.

مخطط التدمير والتهجير

ويسعى الاحتلال منذ أكثر من شهر لتفريغ غزة من سكانها وإجبارهم للانتقال قسرا إلى جنوب قطاع غزة بهدف تدمير المدينة وفرض السيطرة العسكرية عليها.

وخلال أيام ارتكب الاحتلال جرائم تدمير واسعة النطاق، شملت أكثر من 1,600 برج وبناية سكنية مدنية متعددة الطوابق دمرها تدميراً كاملاً، وأكثر من 2,000 برج وبناية سكنية دمرها تدميراً بليغاً، إلى جانب تدميره أكثر من 13,000 خيمة تؤوي النازحين، ومنذ مطلع سبتمبر 2025 وحده، أقدم الاحتلال على نسف وتدمير 70 برجاً وبناية سكنية بشكل كامل، وتدمير 120 برجاً وبناية سكنية تدميراً بليغاً، إضافة إلى أكثر من 3,500 خيمة، وفق المكتب الإعلامي الحكومي.

منذ منتصف مارس، ومع انقلاب إسرائيل على وقف إطلاق النار ، دخل القطاع في دوامة نزوح متجدد، الأرقام مرعبة: أكثر من 1.9 مليون إنسان – أي ما يعادل تسعين بالمئة من سكان غزة – اضطروا لترك بيوتهم. الجنوب، الذي يضم اليوم ما بين 1.3 و1.5 مليون نازح، ينهار تحت الضغط. لا أماكن فارغة لإقامة خيام جديدة، البنية التحتية مدمرة، والمياه والصرف الصحي على وشك الانهيار.

لا وجود لمناطق إنسانية

وفي كل مرة، لا يثق الأهالي في وعود الاحتلال بوجود “مناطق إنسانية آمنة”، خبرتهم المريرة تقول إن القصف يلاحقهم حيثما ذهبوا: المدارس تحولت إلى ثكنات مهددة، الملاجئ لم تعد تحمي، وحتى الطرق التي يسلكونها طلبًا للنجاة صارت أهدافًا للصواريخ.

وأطلقت الأونروا تحذيرات متكررة بأن مخيمات النزوح مكتظة، والأمراض تنتشر، والمساعدات الإنسانية تتعثر عند المعابر.

أما منظمات حقوقية مثل العفو الدولية فوصفت عمليات التهجير بأنها نزوح قسري مخالف للقانون الدولي، وأكدت أن استخدام الجوع كوسيلة ضغط هو جريمة بحد ذاته.

لكن خلف الأرقام والتقارير، هناك وجوه بشرية لا تجد من يحميها. أطفال يُهجَّرون للمرة الثالثة أو الرابعة أو العاشرة خلال عامين، نساء يقطعن كيلومترات بحثًا عن ماء أو دواء، شيوخ يرفضون مغادرة منازلهم المهددة لأنهم يفضلون الموت بين جدرانها على التيه في العراء.

اليوم، بعد 710 أيام من الحرب المتواصلة، يعيش الغزيون نكبة متجددة، أشد قسوة وأطول أمدًا، مأساة لا تنتهي، لا لأنهم يرفضون الحياة، بل لأن الحياة تُسلب منهم بكل تفاصيلها: بيت، ماء، دواء، أمان، وحق في البقاء.

وفي كل هذا الظلام، يظل السؤال الأكبر معلّقًا بلا جواب: إلى متى يظل النزوح قدرًا مفروضًا على سكان غزة، وإلى متى يُترَكون وحيدين في مواجهة حرب لا ترحم؟

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة