مصطفى عواضة
في قلب لبنان الشمالي، حيث تتعانق تلال القبيات مع سهول عكار، استقبل المناضل العتيق جورج عبد الله وفد قناة “المسيرة” اليمنية في منزله المتواضع، وسط أجواء نابضة بتاريخ النضال والفكر الثوري. كان موقع “العهد” الإخباري شاهدًا على جلسة عميقة استعرض خلالها عبد الله تجاربه، قضية فلسطين، وأهمية سلاح المقاومة في لبنان، في لحظات جسدت معاني الصمود والتضامن الحقيقي في وجه العدوان.
بدأ عبد الله بسرد تفاصيل أعوامه الأربعين في السجن الفرنسي، حيث تعلّم أن الوقت ليس عدوًا بل معلم صادق. أربعون عامًا مرّت كأنها أيام، لأن القضية التي يحملها كانت تستحق كلّ لحظة من الصمود، حتّى أصبح رمزًا لا ينكسر أمام قسوة السجن والقهر.
عندما انتقل الحديث إلى فلسطين، تغيرت ملامح المناضل عبد الله وعلا صوته بالإصرار: “في السبعينيات، كان الفلسطينيون لاجئين، أما اليوم فهم أسياد قرارهم ومقاومون انتزعوا حقوقهم بدمائهم وحجارة أطفالهم”. يصف المشهد الذي يواجهه أطفال غزّة والضفّة وهم يحملون الحجارة في وجه الدبابات، معبرًا عن إيمانه بأن هذا الجيل سيكتب نهاية الاحتلال، رغم جدالات الأنظمة العربية التي تشكك في شرعية المقاومة.
لبنان وسلاح المقاومة: الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه
هنا، وفي صلب النقاش، يستعرض عبد الله أهمية سلاح المقاومة في لبنان، فيؤكد أنه العمود الفقري للدفاع عن الأرض والكرامة، وأساس حفظ السيادة الوطنية في وجه التهديد “الإسرائيلي” الذي لا يتوقف. يقول بصوت لا يحتمل اللبس: “سلاح المقاومة هو الضمانة الوحيدة التي تحمي لبنان من العدوان “الإسرائيلي” الذي لا يزال يهدّد أمن واستقرار المنطقة”.
ويضيف أن سلاح المقاومة لا يشكّل تهديدًا داخليًا، كما يحاول البعض تصويره، بل هو الردع الحقيقي الذي يمنع تكرار مأساة الاجتياح والاحتلال. يتابع: “حين دخلت الدبابات “الإسرائيلية” بيروت عام 1982، لم يكن هناك من يحمي الناس إلا المقاومة”. يذكر ذلك التاريخ بحسرة وغضب، مستنكرًا الذين “هربوا وتركوا لبنان للمحتل، ثمّ يطالبون اليوم بنزع سلاح من بقي يدافع عن الأرض، من بقي يكتب تاريخ الكرامة”.
وفي ما يخص قرار الحكومة اللبنانية حول سحب سلاح المقاومة، يطلق عبد الله صرخته الرافضة بلا مواربة، واصفًا هذا القرار بأنه “طعنة في قلب الوطن ومكر سياسي خطير”. ويشرح قائلًا: “أن تطالب المقاومة التي تحمي هذا الوطن برمي سلاحها، ونحن في بلد يعايش تهديدًا يوميًا من عدو مسلح حتّى الأسنان، فهذا لا يعدّ طلبًا سياسيًا، بل هو حكم بالموت الوطني والسياسي للبنان”.
ويؤكد المناضل جورج عبد الله أن أي محاولة لنزع سلاح المقاومة هي “انتحار إستراتيجي يعبر عن جهل عميق بتاريخ لبنان أو خيانة واضحة لمصالحه العليا”. ويقول: “لا يوجد في لبنان منطقة وسط بين مقاوم يخوض المعركة ضدّ الاحتلال، وخائن يتآمر على الوطن، ومن ينظر إلى حزب الله على أنه خطر وطني، فليتفضل ويثبت ما قدمه من إنجازات حقيقية للبنان”.
ويشدّد عبد الله على أن المقاومة وسلاحها ليسا فقط حقًا مشروعًا للدفاع عن الأرض، بل هما رمز السيادة الوطنية والكرامة اللبنانية. فـ”المقاومة هي صوت الشعب اللبناني في وجه الاحتلال، وهي السلاح الذي يُكسر به حاجز العجز والهزيمة. نزع هذا السلاح يعني إعادة لبنان إلى مربع الاستسلام والضعف”.
ويرفض المناضل عبد الله كلّ محاولات تهميش المقاومة أو تشويه صورتها، مؤكدًا أن حق المقاومة بالسلاح لن يُتنازل عنه مهما كانت الضغوط أو المؤامرات. ويختم هذا الجزء برسالة واضحة: “السلاح الذي تحمله المقاومة هو أمان لبنان، وأي سحب لهذا السلاح سيترك البلد عُرضةً للاجتياح والاحتلال من جديد. المقاومة ليست خيارًا بل ضرورة وجودية، وحمايتها واجب كلّ لبناني حر”.
اليمن: رمز الصمود والإرادة الحية
وإذ يشيد عبد الله بالدور اليمني في الدفاع عن الأمة كنموذج حيّ للصمود في وجه العدوان، يؤكد أن اليمن لم يدافع عن نفسه فقط، بل حمل رسالة الأمة العربية والإسلامية في رفض العدوان. “عندما أغلق اليمن باب البحر الأحمر، أرسل رسالة واضحة للعالم أن إرادة الشعوب لا تُكسر”. ويضيف قائلًا: “في السجن، كنا ننتظر أخبار اليمن كالعطشى للماء في الصحراء، وكلّ انتصار هناك كان يمنحنا قوة جديدة، ويعزز إيماننا بأن الإرادة أقوى من الصواريخ”.
رسالة أخيرة: المقاومة مستمرة وسننتصر
وفي الختام، يوجه عبد الله رسالة إلى الأجيال الشابة، قائلًا: “المقاومة ليست شعارات تُرفع في المظاهرات، بل ثقافة وتربية”. ويحث الشباب على قراءة التاريخ، وتعلم الأخطاء دون تكرارها، والتمسك بالعلم والسلاح والكلمة والفعل. فـ”الأمة التي تريد الحياة يجب أن تأخذها بقوة الحق”.
وعلى عتبة منزله المتواضع، يترك جورج عبد الله رسالة واضحة كصمته العميق: “المقاومة مستمرة، والنضال طويل، لكننا سننتصر، ففي زمن تتسابق فيه القوى الكبرى على فرض إرادتها، يبقى صوت المقاومة خيار حياة وأمل، وسلاحها هو ضمانة الكرامة والحرية التي لا تُجرد”.