آخر الأخبار

الأونروا والتعليم في لبنان: أزمة مدرسة فلسطين في مخيم البرج الشمالي نموذجًا

eb7944b3-b493-41c3-89cc-d1ad18005ca5
بقلم : فؤاد الحسين / مسؤول منظمة الجيل الجديد – مجد
منذ تأسيس وكالة الأونروا عام 1949 لتقديم خدماتها الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، شكّل قطاع التعليم أحد أبرز أعمدتها الأساسية، حيث عملت على إنشاء مدارس في مختلف مخيمات الشتات لضمان حقّ اللاجئين في التعليم، رغم ظروف النزوح والحرمان. ومن بين هذه المخيمات، برز مخيّم البرج الشمالي جنوبي لبنان كمجتمعٍ فلسطينيٍّ يحتضن آلاف العائلات، ويعتمد بشكل شبه كلي على الأونروا في تقديم الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.
وقد لعبت المدارس التابعة للأونروا في المخيم دورًا محوريًا في إعداد الأجيال والحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية. ومن أبرز هذه المدارس، مدرسة فلسطين الابتدائية والمتوسطة التي امتدت لعقود كمركز تعليمي أساسي داخل مخيم البرج الشمالي، وقد تخرّج منها أجيال عديدة تركت بصمتها الرائدة والرائعة في المجتمع المحلي والعالمي.
أزمة إغلاق مدرسة فلسطين ليس المشكلة بالاسم بل بإغلاق صرح تعليمي: قرار منفرد وتبعات كارثية
في ديسمبر 2024، فوجئ أهالي المخيم بقرار صادر عن وكالة الأونروا يقضي بإغلاق مبنى مدرسة فلسطين، ونقل طلابها إلى مدرسة الصرفند المجاورة وفق نظام “الفترتين”؛ فترة صباحية للفتيات وأخرى مسائية للفتيان او فترة واحدة، وقد جاء هذا القرار دون أي تشاور مع المجتمع المحلي أو اللجان الشعبية او المكاتب الطلابية، ما أثار موجة غضب واسعة بين الأهالي والفصائل والهيئات التعليمية.
القرار لم يكن إداريًا بسيطًا، بل شكّل ضربة مباشرة لحقّ الطلاب في التعليم الجيّد والمنظم. فدمج الطلاب في مدرسة واحدة بنظام الفترتين أدّى إلى نتائج تربوية سلبية، تمثّلت في تقليص ساعات التعليم، حذف بعض الأنشطة والمواد الإثرائية، وزيادة الاكتظاظ داخل الصفوف، الأمر الذي أثّر على التحصيل العلمي والحالة النفسية للطلاب والمعلمين على حدّ سواء.
لم يقف المجتمع المحلي مكتوف الأيدي أمام ما وصفه كثيرون بأنه “مجزرة تعليمية”، خاصة بعد أن خسر الطلاب فصلًا دراسيًا كاملًا في ظل ظروف الحرب والتوترات السياسية. فقد شهد المخيم سلسلة احتجاجات، أبرزها الاعتصامات أمام مكاتب الأونروا، ووقفات طلابية وشعبية داخل مدرسة جباليا نفسها، في محاولة للضغط على الوكالة للتراجع عن قرارها وإيجاد حل بديل يُنقذ العام الدراسي ويحفظ كرامة الطلاب.
الرسالة التي رفعها الأهالي والمكاتب الطلابية واللجان الشعبية والفصائل كانت واضحة: لا مساومة على حقّ أبنائنا في التعليم، ولا تراجع عن المطالبة بإعادة فتح مدرسة فلسطين ضمن مبنى مستقلّ يليق بالطلاب، ويحترم تاريخ المؤسسة التربوية داخل المخيم.
أهمية إعادة تأسيس المدرسة: بين الحاجة التربوية والحق القانوني.
إن إعادة تشغيل مدرسة فلسطين لا تمثّل مجرد مطلب عاطفي، بل هي حاجة تربوية ملحّة. فالمدرسة ليست فقط مبنى او المشكلة بالتسميات، بل هي مساحة تعليمية وثقافية وهوية وطنية. وإغلاقها تحت ذرائع إدارية أو مالية يُعتبر إخلالًا واضحًا بدور الأونروا ومسؤولياتها تجاه اللاجئين.
كما أن الأزمة سلطت الضوء على هشاشة البنى التحتية التعليمية في المخيم، وأهمية وجود خطة دائمة ومستدامة لضمان استمرارية المدارس بعيدًا عن أي نزاعات عقارية أو تقليصات مفاجئة. بل بات من الضروري اليوم أن تعمل الأونروا، بالشراكة مع المجتمع المحلي، على تأسيس مبنى مدرسي دائم لمدرسة فلسطين، مزوّد بكافة الإمكانيات، يضمن دوامًا موحّدًا ويُعيد للطلاب حقّهم الكامل في التعليم.
الحلّ المطلوب: شراكة حقيقية لا قرارات تفردية.
إن الحل الجذري لهذه الأزمة يتطلّب شراكة حقيقية بين وكالة الأونروا، اللجان الشعبية، الفصائل الفلسطينية، ومؤسسات المجتمع المدني. ولا يمكن القبول بأي ترتيبات مؤقتة لا تراعي خصوصية المدرسة وحقّ الطلاب. كما يجب على الأونروا تقديم تعهد رسمي بالحفاظ على كيان المدرسة واستقلالها، والعمل سريعًا على استئجار أو بناء مقرّ بديل داخل حدود المخيم، يكون لائقًا تربويًا ومعيشيًا قبل أن يبدأ العام الدراسي الجديد.
ولعل هذه الأزمة، رغم صعوبتها، فرصة لإعادة تقييم واقع التعليم في مدارس الاونروا بالمخيمات، وإطلاق حملة تربوية شاملة تضمن الحقوق التعليمية لأبناء اللاجئين، وتحول دون تكرار سيناريوهات مشابهة في مخيمات أخرى.
ختاما:
مدرسة فلسطين في مخيّم البرج الشمالي ليست مجرّد مبنى أغلق أو طلاب تم نقلهم، بل هي قضية حق وعدالة وكرامة. فالتعليم ليس منّة، بل حق مقدّس لا يمكن المساس به، خاصة في بيئة لجوء تعاني من أزمات متلاحقة. ومن هنا، فإن إعادة فتح المدرسة في مبنى مستقلّ دائم، يجب أن تكون أولوية قصوى لكل من يحرص على مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة