آخر الأخبار

تفكيك المحاور والانسحاب.. إرادة ميدانية ووحدة موقف تفرض تراجع الاحتلال

8

في لحظةٍ فارقة من مسار الصراع مع الاحتلال الصهيوني وفي خضم مواجهة أكبر جريمة إبادة جماعية في العصر الحديث، تحوّل الميدان إلى شاهدٍ على حقيقةٍ كبرى: الاحتلال مهما تجبّر، فإن مصيره التفكك أمام الصمود.

اتفاق إنهاء الحرب الموقع في شرم الشيخ، ونص على تعليق العمليات العسكرية فورًا، وانسحاب جيش الاحتلال إلى خطوط محددة خلال 24 ساعة، وتوقف الاستطلاع الجوي لمدة 72 ساعة فوق المناطق المنسحب منها، لم يكن مجرد تفاهم سياسي، بل علامة على انكسار منظومة السيطرة الميدانية للاحتلال، وانتهاء مرحلةٍ كان يحاول من خلالها فرض واقعٍ بالقوة.

سقوط مشروع الاحتلال المؤقت

خلال الأشهر الماضية، سعى الاحتلال إلى ترسيخ وجوده في مناطق عدة، من خلال إنشاء محاور عسكرية كبرى مثل نتساريم وموراغ وماغين عوز، زاعمًا أن هذه المحاور ستشكل نقاط ارتكاز دائمة تُمكّنه من التحكم بالأرض والناس، وتجزئة الجغرافيا الفلسطينية بما يخدم رؤيته الأمنية والعسكرية.

إلا أن ما جرى مؤخرًا كشف العكس تمامًا: كل محورٍ من هذه المحاور بدأ يتهاوى أمام صمود المقاتلين وثبات الأهالي، لتتحول تلك المواقع التي أرادها الاحتلال رموزًا للهيمنة إلى شواهد على عجز القوة أمام الإرادة.

يقول واصف عريقات الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية إن “الانسحاب بهذه السرعة، بعد شهورٍ من التمركز والتجهيز، يعكس عمق الأزمة التي يعيشها الجيش الإسرائيلي ميدانيًا، ويؤكد أن المقاومة استطاعت فرض معادلتها الخاصة: من يثبت على الأرض هو من يملك القرار”.

وبينما كان الاحتلال يتحدث عن “احتلالٍ مؤقت” لتأمين أهدافه، أثبت الواقع أن كل احتلال يبدأ بالتمدد، وينتهي بالتفكك حين يصطدم بصبر الشعوب، وفق عريقات في حديثه للمركز الفلسطيني للإعلام.

إرادة الصمود.. من الميدان إلى المفاوضات

وأضاف الخبير: “هذا التحول الميداني لم يكن نتاج عملٍ عسكري فحسب، بل ثمرة صمودٍ متكامل شاركت فيه كل فئات الشعب الفلسطيني”.

ففي الوقت الذي واجه فيه المقاتلون أعتى الآلات الحربية بثباتٍ وشجاعة، كان المدنيون يصمدون تحت القصف، يحمون ما تبقى من حياة، ويؤكدون أن الاحتلال لا يستطيع كسر شعبٍ اختار البقاء في أرضه.

وفي المقابل، جاءت المفاوضات السياسية لتترجم هذا الصمود إلى مكاسب ملموسة، فرضت على الاحتلال تراجعًا ميدانيًا وسياسيًا لم يكن ليحدث لولا وحدة الإرادة والموقف.

ويرى محللون سياسيون أن ما جرى لا يمكن وصفه بـ”تنازل” من جانب الاحتلال، بل هو تراجع قسري تحت ضغط المعادلة الجديدة التي رسمتها المقاومة والشعب معًا.

فكل بندٍ في الاتفاق، من وقف النار إلى الانسحاب وإدخال المساعدات، يشكل إقرارًا واضحًا بأن الاحتلال فشل في تثبيت وجوده، وأنه بات يتعامل مع وقائع فرضها الصمود الفلسطيني لا سواه.

من تفكيك المحاور إلى إعادة رسم المعادلة

يتابع عريقات إن تفكيك محاور الاحتلال لا يمثل انسحابًا عسكريًا فحسب، بل إعادة صياغة لميزان القوة، وانتقال المقاومة من موقع الدفاع إلى موقع الفرض الميداني.

وأشار إلى أن الاحتلال أراد أن يصنع من تلك المحاور أدواتٍ للسيطرة والتحكم، لكنها تحولت في النهاية إلى نقاط انهيار داخل منظومته العسكرية.

ومع كل محور يُفكك، تتقدم المقاومة خطوة نحو استعادة المبادرة، بينما يفقد الاحتلال واحدة من أدوات بقائه على الأرض.

يشير عريقات إلى أن “الجيش الإسرائيلي لم ينسحب لأنه أراد ذلك، بل لأنه لم يعد قادرًا على البقاء. كل يومٍ كان يمضي داخل تلك المحاور كان يعني مزيدًا من الخسائر، ومزيدًا من الفشل في تحقيق الأهداف”.

وبذلك، فإن الانسحاب لم يكن خيارًا، بل نتيجة حتمية لميزانٍ ميداني جديد صنعه الصمود الشعبي والمقاومة المسلحة معًا.

الأرض تشهد لمن يثبت فيها

اليوم، وبينما تتراجع آليات الاحتلال من تلك المناطق التي أقيمت فيها محاوره العسكرية، تتجلى حقيقةٌ أعمق من مجرد انسحاب هي ان الاحتلال يتفكك حين يصطدم بثبات الإرادة، وما لم تستطع القوة فرضه بالقنابل والدبابات، فرضه الصمود بالدم والانتظار والموقف.

يختم عريقات حديثه: إن ما حدث ليس نهاية معركةٍ فحسب، بل بداية فصلٍ جديد من وعي المقاومة والناس بقدرتهم على تغيير المعادلات، فالاحتلال الذي كان يفرض شروطه بالأمر، يجد نفسه اليوم مقيّدًا بها، والميدان الذي كان رهينة السيطرة العسكرية، بات شاهدًا على انتصار الثبات.

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة