في الأول من أيار، ومع إحياء العالم ليوم العمال العالمي، يجد اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أنفسهم في قلب أزمات متداخلة تلقي بظلال قاتمة على واقعهم وحقوقهم العمالية والإنسانية. فبينما يستحضرون معاناتهم التاريخية في بلد يعتبر من أكثر الدول تقييدًا لحقوقهم المدنية والاجتماعية، تتفاقم أوضاعهم المأساوية بفعل الأزمة الاقتصادية العميقة المستمرة منذ عام 2019، وتداعيات الحروب والنزاعات الإقليمية، والغموض الذي يكتنف مستقبل وكالة الأونروا.
يقطن في لبنان نحو 489,292 لاجئًا فلسطينيًا مسجلين لدى الأونروا، يعيشون في 12 مخيمًا مكتظًا يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة. قبل الأزمة الاقتصادية، كان هؤلاء اللاجئون يعانون بالفعل من قيود قانونية تمنعهم من ممارسة 73 مهنة، وتحصرهم في وظائف هامشية. ومع الانهيار الاقتصادي، الذي دفع بنحو 90% منهم إلى ما دون خط الفقر، تحولت حياتهم إلى صراع يومي لتأمين الاحتياجات الأساسية.
يصف اللاجئ الفلسطيني حسين عيسى الوضع بمرارة: “لقد حولت الأزمة الاقتصادية العامل إلى آلة تعمل يوميًا لتأمين قوت يومه، ولم يعد لديه أفق بسبب غلاء الأسعار وانخفاض الأجور”. وتتفاقم هذه المعاناة مع استمرار حرمانهم من الضمان الصحي والتأمين على نهاية الخدمة، بينما يواجه الخريجون صعوبات جمة في العثور على عمل في مجالات تخصصهم.
الأونروا في مهب الريح وتداعيات إقليمية مقلقة:
في ظل هذه الظروف القاسية، يواجه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان تحديات إضافية تلوح في الأفق. فمع استمرار الحرب في المنطقة وتصاعد التوترات الإقليمية، تزداد المخاوف بشأن تداعيات محتملة على أوضاعهم الهشة. كما يكتنف الغموض مستقبل وكالة الأونروا، التي تعتبر شريان الحياة للكثيرين منهم، في ظل القرارات الدولية الأخيرة والضغوط المتزايدة التي تتعرض لها.
واقع مرير في سوق العمل:
يكشف تقرير حديث للأونروا أن واقع سوق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان يُعد من بين الأسوأ في الدول العربية، حيث بلغت نسبة البطالة بينهم 32.3% في عام 2023، وهو رقم يفوق المعدل العالمي بثلاثة أضعاف والمعدل اللبناني بستة أضعاف. ويواجهون تمييزًا متعدد الأوجه، حيث تُهمش النساء بشكل خاص في سوق العمل، بينما يعاني المتعلمون من بطالة مرتفعة بسبب القيود المهنية. ويعمل غالبية الفلسطينيين في القطاع غير النظامي، محرومين من العقود القانونية والضمانات الاجتماعية.
صرخة من أجل الحقوق والكرامة:
في يوم العمال العالمي هذا، يجدد اللاجئون الفلسطينيون في لبنان صرختهم من أجل توفير فرص عمل عادلة، وتحسين الظروف المعيشية المتردية، وضمان حقوقهم الوظيفية والاجتماعية والإنسانية الأساسية. إنهم يطالبون المجتمع الدولي والدولة اللبنانية بتحمل مسؤولياتهم تجاههم في ظل هذه الظروف الاستثنائية، والسعي لرفع القيود القانونية المجحفة وتمكينهم من العيش بكرامة وتأمين مستقبل أفضل لأجيالهم القادمة، خاصة في ظل حالة عدم اليقين التي تفرضها الأوضاع الإقليمية والتحديات التي تواجه عمل الأونروا. إن يوم العمال هذا العام يأتي ليؤكد على أن العامل الفلسطيني في لبنان ليس فقط ضحية للظروف الاقتصادية والقانونية، بل أيضًا أسير لتحديات إقليمية ودولية تزيد من معاناته وتعيق أي أمل في تحسين وضعه.