حسن شقير
جانب دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام المحترم:
سأدخل مباشرة في صلب الموضوع، والذي هو «حصر السلاح بيد الدولة»، ومن دون أيّ مقدمات تُذكر، كونه يُعنى بالسيادة الوطنية أولاً، والتزام الدولة اللبنانية أمام المجتمع الدولي ثانياً، وأمام شعبها ثالثاً. ولأن لازمة حصر السلاح بيد الدولة دون غيرها، تدأبون على المناداة بها عبر موقعكم السياسي الذي يفرض عليكم ذلك. ولأنكم تحاجّون تارة بالقرارات الدولية ذات الصلة، وتارةً باتفاق الطائف الذي يجب تطبيقه، وطوراً بالبيان الوزاري ووجوب تنفيذ مندرجاته، وصولاً إلى خطاب القسم لرئيس الجمهورية، ولأجل هذا كله، فإنني أجد لزاماً عليّ ألا أحاجج إلا عبر جميع ما ورد أعلاه حصراً، ومن دون أي اعتبارات أخرى، والتي ربما أجدها وجيهة، وربما ترونها بأنها لا مكان لها في عهد لبنان الحديث.
دولة الرئيس، سأفنّد في ما سيأتي لاحقاً، عن حصرية السلاح بيد الدولة وحدها، من زاوية قانونية بحتة، وخصوصاً أن الاجتزاء والانتقاء لمواد أو نقاط أو بنود من قرار أممي أو دستور وطني أو بيان وزاري أو حتى من خطاب قسم رئاسي، ما هو إلا ضربٌ بعرض الحائط للمهنية والموضوعية والمصداقية والشفافية على حد سواء. فلا يصح ذلك في أي مطالعة عن موضوع عادي، فكيف إذا كان إشكالياً سيحدد مسار ومصير وطنٍ بأكمله على حدٍّ سواء!
-أولاً: سأسلم جدلاً بأن القرار 1701، وفي شقه المتعلق بضرورة تطبيق القرار 1559، ينطبق فعلاً على نزع سلاح المقاومة (مع أن سياقه لا يوصل إلى هذه النتيجة)، ولكن لنفرض ذلك، فكيف يجوز أن تتغاضى دولتك عن الشق الآخر في القرار 1701، والذي يوصي أيضاً بضرورة تطبيق القرار 425 والذي سبق الـ 1559 بنحو عقدين ونيّف من الزمن! والذي ــ في المناسبة ــ تقول الدولة اللبنانية، ومعها المجتمع الدولي، بأنه قرار لم يطبق بكامله حتى كتابة هذه السطور، كون الاحتلال الاسرائيلي ما يزال جاثماً على جزءٍ من أرض لبنان، خارقاً لما يدعو إليه القرار الأم (1701) وتحديداً في ديباجته القائلة بوجوب احترام سيادة لبنان حتى الحدود المعترف بها دولياً. وهذا يعني وفقاً لحدود اتفاقية بوليه-نيوكومب لعام 1923، وحدود اتفاقية الهدنة لعام 1949، وليس لحدود الخط الأزرق لعام 2000 (خط الانسحاب).
دولة الرئيس، أنت رجل قانون، كيف لكم أن تقفزوا عن قرارات في متن هذا القرار الأممي الأم، وتقفون عند قرارات أخرى فيه! لا بل أكثر من ذلك، فلماذا لا تلتزمون بالمطالبة بتنفيذ تلك القرارات الواردة في متنه وفقاً لترتيبها الزمني الذي وردت فيه! أليس هذا هو المنطق القانوني الصحيح في تطبيق القرارات الدولية وسياقات إصدارها؟
-ثانياً: سأسلم جدلاً أيضاً بأن ما ورد من حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية في اتفاق الطائف (دستور لبنان)، يفرض بأن يُنزع كل سلاحٍ خارج نطاق الدولة اللبنانية، وفي طليعته سلاح حزب الله كما تشاؤون تفسيرها، وهذه المادة التي تُعنى بحصر السلاح بيد الدولة، لا يناقش أحدٌ في ورودها في متن دستور الطائف، ولكن السؤال يا دولة الرئيس، هل هذا الأخير ــ بمواده المتعلقة بحصر السلاح ــ هو مادة واحدة منفصلة، أم مواد تكمّل بعضها البعض؟
وبالتالي هل تطبيق الدستور يكون انتقائياً أم أن العمل يجب أن ينصب على تطبيقه كاملاً في ما يتعلّق بموضوعات مواده؟ فإذا كنتم تتفقون معي على وجوب تطبيقه كاملاً، وخصوصاً في ما يتعلق بمواد السلاح فيه، فإنني أضع أمامكم التساؤل الآتي:
هل ورد في اتفاق الطائف مادة تتعلق بوجوب استخدام «كل الوسائل المتاحة لتحرير الأرض»؟ فإذا كان الجواب نعم، وهو كذلك، فماذا تعني كلمة «كل»؟ وعلى ماذا تشتمل؟ فهل هناك أرض ما تزال محتلة من قبل الكيان الإسرائيلي أم لا؟
أيّ مادة تُطبق في الدستور قبل الأخرى: حصر السلاح أم تحرير الأرض؟ فماذا لو حُصِرَ السلاح ولم يخرج الاحتلال؟ أليس ذلك مسّاً بالدستور؟
السؤال يا دولة الرئيس: أي مادة تُطبق في الدستور قبل الأخرى: حصر السلاح أم تحرير الأرض؟ فماذا لو حُصِرَ السلاح ولم يخرج الاحتلال؟ أليس ذلك سيكون مسّاً بالدستور، وذلك عبر التخلّي عن إحدى الوسائل المتضمنة في إحدى فقراته والواردة تحديداً في كلمة «كل»؟
-ثالثاً: لا نقاش أبداً بأن خطاب القسم لفخامة الرئيس جوزاف عون، كان قد تطرق في أحد تعهداته فيه على العمل لـ«حصر السلاح بيد الدولة»، ولكنه أيضاً كان قد تعهد قبل ذلك بالعمل على تحرير الأرض اللبنانية كاملة، ومن دون أي سيادة منقوصة وبكل الوسائل في إطار الشرعية الدولية (والتي سيأتي الحديث عنها لاحقاً)، وتعهّد أيضاً بالعمل على وضع إستراتيجية أمن وطني ومن ضمنها السياسة الدفاعية.
السؤال يا دولة الرئيس: إذا كان الرئيس عون يريد فقط نزع السلاح وحصره بيد الدولة، فلماذا أتى على ذكر باقي التعهدات التي وردت في خطاب القسم؟ وأيها يُقَدَّم على أيها؟ فلو كان فخامته يريد أن ينتقي من خطاب قسمه انتقاءً، لما كان قد وضع أمام أورتاغوس، في إحدى زياراتها له، تصوّرَه الذي يبدأ بوقف الاعتداءات والخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية المحتلة من النقاط الخمس، وفتح النقاش حول النقاط الـ 13 وتطبيق ما يتوجب على الكيان الإسرائيلي تطبيقه من القرار 1701 كما فعل لبنان في جنوب الليطاني، الأمر الذي سيفتح الباب بعدها أمام مناقشة السياسة الدفاعية، والتي تسميها أميركا نزع السلاح، أو حصره كما تنادي به أنت يا دولة الرئيس.
-رابعاً: ورد في البيان الوزاري لحكومتكم يا دولة الرئيس، بأن ميثاق الأمم المتحدة يسمح للبنان برد العدوان عنه، وذكرتم أيضاً في متنه عن أن اتفاق الطائف قد ورد فيه بضرورة استخدام كل الوسائل لتحرير الأرض، ثم تحدثتم لاحقاً عن حصر السلاح بيد الدولة.
السؤال يا دولة الرئيس: أنت رجل قانون، ماذا تعني كلمة عدوان أو اعتداء؟ هل الاحتلال هو اعتداء أم لا؟ وإذا كان كذلك فماذا قصدتم بميثاق الأمم المتحدة الذي يكفل الحق في رد العدوان؟ ألا تشير هذه العبارة الواردة في البيان الوزاري إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تسمح «للفرادى والجماعات» بالعمل على رد العدوان بكل الوسائل المتاحة؟ وهل عبارة «لبنان» التي اعتبرها البعض بأنها «تُخرج المقاومة من المعادلة» تعني ذلك فعلاً؟ أليس هذا يُوجد تناقضاً في البيان، وفي الفقرة ذاتها؟ أليس لبنان، هو الشعب والإقليم والسلطة على حد سواء؟
دولة الرئيس: توجّهت إليكم بكلماتي هذه، كمواطن يبحث عن سيادة ناجزة في وطنه… فتقبَّلوا ما صدر مني، برحابة صدرٍ وحُسن نية وطنية صافية.
* باحث وكاتب سياسي