آخر الأخبار

اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان… بين إرث النضال واستحقاق التغيير

5bc37dc5-e16c-45a4-836c-693b7e527b9c-r6y1n5ty2o8ytqdky0kjmy8mxee8c718xiggw5lqpc

بقلم : عصام الحلبي

في قلب المخيمات الفلسطينية في لبنان، حيث تختلط أصوات الباعة بروائح القهوة ونقاشات السياسة، تبرز اللجان الشعبية كأحد أقدم الأطر التنظيمية التي وُلدت من رحم الحاجة الوطنية والإنسانية. فمنذ تأسيسها في ستينيات القرن الماضي مع صعود منظمة التحرير الفلسطينية، لعبت هذه اللجان دور “المجالس البلدية” داخل المخيمات، تدير شؤون الخدمات وتنسق مع السلطات اللبنانية ووكالة الأونروا، وتحل النزاعات الاجتماعية.

ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية وتراجع نسبي لمؤسسات المنظمة، وجدت اللجان نفسها في موقع خط الدفاع الأول عن حياة اللاجئين، تنظّم حياتهم وتحاول منع انهيار الخدمات في بيئة محاصرة بالفقر والتهميش.
إصلاحات على الورق… وتعثر على الأرض

عام 2010، أُقر نظام معدّل لتنظيم عمل اللجان الشعبية، وضع أهدافًا واضحة، تحديد الصلاحيات، توسيع قاعدة التمثيل، تحسين آليات اتخاذ القرار، وتعزيز التنسيق مع الأونروا. لكن ما بدا واعدًا آنذاك، تعثر على أرض الواقع؛ فالانتخابات لم تجرِ، والمحاسبة بقيت شكلية، وقرار تشكيل اللجان ظل حبيس التوافقات الفصائلية.

المرجعية الوطنية… ومحدودية الاستقلالية

تعمل هذه اللجان تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، ومرجعيتها الرسمية هي حسب قرار سيادة الرئيس محمود عباس الأخير هو دائرة شؤون اللاجئين برئاسة الدكتور أحمد أبو هولي. هذه المرجعية تمنحها غطاءً وطنيًا موحدًا، لكنها في الوقت نفسه تضع حدودًا لاستقلالية القرار المحلي، خاصة حين تطغى الاعتبارات الفصائلية على المصلحة العامة أو يغيب التنسيق بين لجان المخيمات المختلفة.

بين الواقع والطموح

تحقيقات ميدانية سابقة في المخيمات، أظهرت فجوة واضحة بين ما هو قائم حاليًا وما يطمح إليه اللاجئون.
حاليًا، تُختار اللجان بالتوافق بين الفصائل، ما يقلص فرص مشاركة الشباب، النساء، والمستقلين. خدماتها تقتصر على إدارة المياه والبنى التحتية وخدمات اخرى، مع معالجة بعض النزاعات الاجتماعية. القرارات تُتخذ في الغرف المغلقة، والمساءلة أمام الجمهور شبه غائبة.

في المقابل، يتطلع كثير من أبناء المخيمات إلى مستقبل مختلف الى
انتخابات شفافة تبدأ من لجان الأحياء وصولًا إلى مؤتمر مركزي للمخيم.

تمثيل متوازن لكل الشرائح العمرية والاجتماعية والمهنية.

توسيع الدور ليشمل مشاريع تنموية، خلق فرص عمل، وبرامج تدريب مهني.
اعتما آليات مساءلة.

استقلالية نسبية في إدارة شؤون المخيم، مع بقاء المرجعية الوطنية.
برامج تدريب مستمرة لأعضاء اللجان على الإدارة والتخطيط وإدارة الأزمات.

صورة مقارنة مختصرة
الشرعية: اليوم تُمنح بالتعيين الفصائلي… غدًا يجب أن تأتي من صناديق الاقتراع.

التمثيل: اليوم تمثيل فصائلي ضيق… غدًا مشاركة واسعة لكل المكونات.
المهام: اليوم خدمات أساسية… غدًا خدمات وتنمية اقتصادية ومشاريع عمل.

آليات القرار: اليوم قرارات مغلقة… غدًا شفافية ومساءلة علنية.

المرجعية: اليوم تبعية كاملة… غدًا مرجعية داعمة مع استقلالية ميدانية.

الكفاءة: اليوم نقص في الخبرة… غدًا تدريب مستمر وتطوير مهارات.

الشرعية الشعبية: اليوم رضا محدود… غدًا ثقة قوية من انتخابات ومحاسبة.

خطة إصلاح مقترحة

من خلال ورش عمل ونقاشات مجتمعية، تبلورت خطة زمنية يمكن أن تغيّر المشهد:

1. الإعداد : معايير كفاءة ونزاهة، ونسب تمثيل عادلة.

2. انتخابات لجان الأحياء : بإشراف محلي أو مركزي.

3. انتخابات ممثلي القطاعات : من الاتحادات والأطر الشبابية والنسائية.
4. المؤتمر الانتخابي للمخيم: انتخاب اللجنة ورئيسها سرًا.

5. التدريب : بناء قدرات في الإدارة، التخطيط، وإدارة الأزمات.

6. إطلاق خطة تنموية : مشاريع بنية تحتية، فرص عمل، ومراكز تدريب.

اللجان الشعبية ليست مجرد جهاز خدمي، بل حارس للهوية الوطنية وحق العودة. لكن لتبقى قادرة على أداء هذا الدور، تحتاج إلى شرعية متجددة وإصلاح عميق يعيدها إلى حضن المجتمع. فالخيار واضح، إما البقاء أسرى توازنات الماضي، أو الانطلاق نحو مستقبل ديمقراطي يضمن أن تبقى المخيمات مساحات للحياة والمقاومة، لا محطات انتظار طويلة لعودة طال أمدها.

ملاحظة : التحقيقات الميدانية وورش عمل أجريت منذ عدة سنوات ،ووثقت في كراس تضمن توصيات وسلمت إلى المرجعية والقيادة الشرعية حينها.

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة