آخر الأخبار

حي الزيتون.. ساحة مواجهة مفتوحة في خطة إسرائيل لاحتلال غزة

20250814072352

يعود حي الزيتون، أحد أقدم وأكبر أحياء مدينة غزة، إلى واجهة المواجهات العسكرية مع تجدد العمليات الإسرائيلية المكثفة في إطار الخطة المعلنة لاحتلال القطاع بالكامل. فبعد شهور من انسحاب جزئي لقوات جيش الاحتلال، يشهد الحي منذ أيام تصعيدًا غير مسبوق يتمثل في قصف مدفعي وجوي متواصل، واقتحامات برية محدودة، وسط دمار واسع طال البنية التحتية والمنازل، ونزوح مئات العائلات مجددًا نحو مناطق أكثر اكتظاظًا وأقل أمنًا.

وتأتي هذه التطورات ضمن خطة إسرائيلية تهدف إلى “استكمال السيطرة الميدانية” على مدينة غزة، فيما يرى محللون أنها حلقة جديدة في سياسة الاستنزاف والتدمير الممنهج التي تستهدف إفراغ الأحياء السكنية من سكانها، وإعادة رسم الخريطة الميدانية للقطاع بالقوة.

وتنص الخطة على تهجير نحو مليون نسمة من مدينة غزة إلى الجنوب، ثم تطويقها وتنفيذ توغلات في التجمعات السكنية، على أن تشمل المرحلة الثانية احتلال مخيمات اللاجئين في وسط القطاع.

تطورات ميدانية

ووفق ما نقلته صحيفة هآرتس العبرية عن ضباط إسرائيليين كبار قولهم إن “مسؤولين في الكابينيت طالبوا بإعادة تنفيذ الهدم الذي نُفذ في بيت حانون، حيث دمر الجيش جميع المباني وجعل المكان غير صالح للسكن”.

وأضاف الضباط أنه توجد تبعات لهذا الطلب من حيث مدة القتال وحجم القوات المطلوب، لأنه خلافا لبيت حانون، توجد في مدينة غزة مباني مرتفعة ومكتظة بالسكان، “وهدمها يستوجب قوات أكثر وآليات أكبر”، وليس بإمكان الجيش أن يلتزم إذا كان لديه الآن الآليات الهندسية المطلوبة لتنفيذ ذلك.

ويقدر جيش الاحتلال أن تنفيذ عملية عسكرية كهذه يتطلب استدعاء 100 ألف جندي في الاحتياط على الأقل، ما يعني خرق سقف أوامر استدعاء قوات الاحتياط الذي تقرر للعام الحالي.

ومنذ أيام يتعرض حي الزيتون، أحد أكبر أحياء مدينة غزة، لعمليات قصف ونسف ممنهجة للمنازل، ما أدى إلى مجازر وتهجير قسري لعائلات بأكملها. وتلاصق أطرافه الجنوبية وادي غزة، المعروف لدى جيش الاحتلال بمحور “نتساريم”، وهي منطقة تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة ويمنع الفلسطينيون من دخولها إلا للحصول على المساعدات الأميركية المزعومة.

وقال المتحدث باسم الدفاع المدني الفلسطيني في غزة، محمود بصل، إن الاحتلال يستخدم قنابل شديدة الانفجار لتدمير المباني السكنية المأهولة، بعضها يتجاوز ارتفاعه خمسة طوابق، بهدف إيقاع أكبر قدر من الخسائر، ما أثار حالة من الرعب وأجبر الكثيرين على النزوح.

وأسفرت هجمات جيش الاحتلال على حي الزيتون عن تدمير 300 منزل خلال ثلاثة أيام فقط، وذلك عقب تصديق رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير على الخطة المركزية لاحتلال القطاع بالكامل، والتي بدأت الثلاثاء.

وينظر إلى حي الزيتون كساحة ميدانية استراتيجية، يمكن من خلالها النفاذ إلى شارعَي الجلاء وصلاح الدين الرئيسين في مدينة غزة، ويمكن من خلالهما عزل مناطق القطاع عن بعضها.

شهادات على واقع مأساوي

ويلاحق النزوح سكان مدينة غزة وسط دوامة من أسئلة لا جواب لها، “إلى أين نذهب؟”، هذا ما أجاب به الحكيم يوسف الحداد، الذي يقطن في منطقة عسقولة بحي الزيتون، مشيراً إلى أن العديد من المباني السكنية تعرضت الليلة لغارات إسرائيلية ما اضطرهم إلى مغادرة المنطقة تحت التهديد بالإخلاء القسري.

وهذه المرة الأولى التي تضطر فيها أسرة زاهر الحداد إلى النزوح منذ بدء الحرب، ويقول: “صحيح أننا لم يسبق لنا النزوح داخل مدينة غزة أو إلى جنوب القطاع، لكننا نعلم ما يعنيه من تشتت للأسرة، إذ استضفنا خلال أشهر الحرب الطويل العديد من الأقرباء والأصدقاء، ورأينا ما عانوه من استنزاف نفسي وجسدي”.

ويشير إلى أن والده يرفض الخروج من المنزل واختار وجدته البقاء فيه، في حين التجأت أمه برفقة شقيقه وزوجته إلى بيت شقيقه المتزوجة في حي الشيخ رضوان “الذي قد يكون في مرحلة ما عرضة للقصف أمام ما تخطط له إسرائيل”، فيما التجأ أشقاءه المتزوجون إلى منازل أنسبائهم.

ويضيف الشاب الذي يعمل ممرضاً، “لم يعد يفرق معنا الموت. أين نذهب هذه المرة؟ مناطق الجنوب مدمرة، وليس فيها صرف صحي ولا مياه. وضعنا مأساوي، والاحتلال يقتلنا ببطء”.

ويبلغ عدد سكان الحي أكثر من 80 ألف نسمة، وهو من أكثر الأحياء اكتظاظا في العالم، وتعمل قوات الاحتلال على منع عودة هذا العدد.

ويكرر محمد فورة السؤال ذاته، أين سنذهب؟!، ويقول: “النزوح مأساة كبيرة، ليس انتقالاً اضطرارياً فقط، هو موت بطريقة أخرى، فأن تخرج من بيتك وتلتجئ إلى خيمة يعني أن تفقد كل ما يمكن أن يهون عليك صعوبات الحياة تحت الحرب، تفقد خصوصيتك وخصوية بيتك.. ليس هناك أسوأ من ذلك”.

ويتابع: “عايشنا تفاصيل النزوح داخل مدينة غزة خلال شهري فبراير ومارس 2024. عانينا من صعوبة الانتقال بسبب عدم توفر المواصلات، وعدم توفر مراكز إيواء ملائمة. النزوح يعني أنت تعيش في مكان لا يصلح للعيش الآدمي، وحمل أغراض فوق طاقتك. اليوم ننزح ونحن لا نملك قوت يومنا، ولا تتوفر مياه نظيفة، والحصول على الطعام معركة موت محقق”.

معارك حي الزيتون

ومنذ بدء الهجوم البري على قطاع غزة بداية نوفمبر/ تشرين ثاني 2023، نال حي الزيتون النصيب الأكبر من الاجتياحات الإسرائيلية التي خلفت دمارًا هائلًا في منازله وبنيته التحتية، فضلًا عن استشهاد وإصابة المئات من أهله.

ففي الـ20 من فبراير/ شباط 2024، شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي بمشاركة لواءين من الفرقة 162، عملية عسكرية على حي الزيتون، استمرت أسابيع، واجه خلالها معارك ضارية وصعبة مع قوى المقاومة الفلسطينية.

وفي 4 مارس 2024 أعادت قوات جيش الاحتلال انتشارها في الجانب الشرقي من الزيتون، في إشارة لإصرارها على البقاء في الحي الذي تراه ضمانة لسيطرتها على شمال قطاع غزة. وفي 5 مايو 2024 نفذ جيش الاحتلال عملية عسكرية استمرت 6 أيام، لمواصلة ما أسماه “تفكيك البنية التحتية” للمقاومة في المنطقة.

وفي 24 أغسطس 2024 عاد جيش الاحتلال للتوغل البري في الحي مصحوباً بعمليات قصف جوي، حيث يواجه مقاومة عنيفة كبدته قتلى وجرحى.

وقاد الهجوم الأخير على الحي، الفرقة 36، وهي فرقة مدرعات تصنّف من أكبر التشكيلات في جيش الاحتلال، الهجوم على الحي، وتتبع لها 4 ألوية، أشهرها غولاني، إلى جانب اللواء المدرعات 401 الذي يُعرف بـ”آثار الحديد”، وهو يتشكل من كتائب مدرعات، ومن فرق مشاة وكتيبة هندسة، ويصنّف بأهميته في المعارك الميدانية.

وشارك في معارك حي الزيتون فوج المدفعية 215 التابع لسلاح مدفعية جيش الاحتلال، وهو يتشكل من كتيبة الخدمة العادية، إضافة إلى كتائب احتياط، وهو سلاح عن تشغيل المدفعية المتوسطة والطويلة المدى.

ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبغطاء أميركي، ترتكب إسرائيل إبادة جماعية في غزة، شملت القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، رغم أوامر محكمة العدل الدولية بوقفها. وبلغ عدد الشهداء 61,722، والجرحى 154,525، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 9,000 مفقود، ومئات آلاف النازحين، ومجاعة أودت بحياة 235 شخصاً، بينهم 106 أطفال.

اقرأ المزيد عبر المركز الفلسطيني للإعلام:
https://palinfo.com/news/2025/08/14/967946/

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة