وفاء أيوب
«أهل مكة أدرى بشعابها»؛ عبارة شاء رئيس الحكومة نواف سلام أن يذيّل بها بيانه عقب لقائه الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، تكراراً لما قاله عن أنّ «قرار لبنان يصنعه اللبنانيون وحدهم». وقبل الخوض في تفاصيل هذا الكلام، لا بد من توضيح ما يعنيه هذا المثل المشهور؛ وهو أنّ أهل المكان ــــــ أو أهل الاختصاص ــــــ هم الأعرف بتفاصيله وظروفه، وبالتالي هم الأقدر على التعامل معه أو اتخاذ القرارات المتعلقة به.
اللافت أن سلام أدلى بدلوه هذا فيما هناك «شعابٌ» (أي طرقات وجبال ووديان) في جنوب لبنان ما تزال محتلة من العدو الإسرائيلي، و«أهل مكة» (أهل الجنوب) الذي قدّموا في سبيلها الدم والدموع أدرى بها، ويعرفون جيّداً ــــــ وهو ما خبروه منذ بداية الاحتلال ــــــ أن لا سبيل إلى استردادها إلا بالمقاومة. هذه المقاومة نفسها التي يعمل سلام ورئيس الجمهورية جوزاف عون على سحب سلاحها إذعاناً لأوامر أميركية.
وبصفته قاضياً، استعان سلام بقواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية كمرتكز في كلامه، معتبراً أنّ احترام السيادة المتبادل «قاعدة أساسية» فيه وركيزة لأي علاقة ثنائية «سليمة»، فتعمّد، عن قصد أو غير قصد، كيل هذه العلاقات بمكيالين: كيلٌ يرفض التدخل في الشؤون الداخلية، وآخر يعبّد الطريق أمام إملاءات وقرارات تنسف كل ما له علاقة بالسيادة.
وهو ما ظهر، بشكل صارخ، في القرار الذي صدر أخيراً عن مجلس الوزراء حول سحب سلاح حزب الله، والذي أتى إقراراً لورقة المبعوث الأميركي توماس براك المتحيّزة ببنودها للعدو الإسرائيلي. ما حدا بالضيف الإيراني ذاته إلى استهجانه قائلاً: «يتهمون إيران بالتدخّل في شؤون بلدان المنطقة بينما يأتي الأميركي والأوروبي من خلف المحيطات ليغيّر خرائط ويفرض واقعاً جديداً، فكيف يقبلون هذا التدخّل ولا يقبلون مساعدة إيران التي هي جزء من هذه المنطقة؟».
والمفارقة أنه منذ، أو حتى خلال، جلسة إقرار ورقة براك التي لا تعطي لبنان أي ضمانات لوقف إسرائيل انتهاكها اتفاق وقف الأعمال العدائية، صعّدت الأخيرة من اعتداءاتها واستفزازاتها، مؤكدة ألّا نية لديها بالتراجع خطوات إلى الوراء والانسحاب من النقاط الخمس التي احتلتها.
وقد تجلّى ذلك في الجولة التي قام بها رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي إيال زامير لتفقّد مواقع عسكرية أقامها جيش العدو داخل الأراضي اللبنانية، إذ كان لافتاً قوله «نحن حاضرون في الساحات كافة، نشنّ الهجمات، بمبادرة منّا»، ما يؤكد بشكل قاطع أن إسرائيل تمنح نفسها الحق في الاعتداء على أي دولة واستباحة سيادتها واحتلال أراضيها متى تشاء وبمبادرة منها. وهو ما يوضحه أيضاً كلام رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الأخير عن تنفيذه خرائط مشروع «إسرائيل الكبرى»، والتي تهدف إلى قضم أراضٍ من لبنان ودول عربية أخرى، لتؤكد هذه التصاريح مرة جديدة أن ما يُعرف بقرار الحرب والسلم لم يكن يوماً بيد الدولة اللبنانية ولا أي من مكوناتها، بل كان ولا يزال بيد إسرائيل.
وهو ما يعني، بما لا يدع مجالاً للشك، أن لا اتفاق ولا وسيط ولا مبعوث ــــــ حتى لو صدقت النيات ــــــ قادراً على إرغام إسرائيل على الانسحاب من لبنان وصون سيادته إلا… المقاومة وسلاحها!
* من أسرة «الأخبار»