في أرجاء مخيمات النزوح والشوارع المدمرة في قطاع غزة، دوّت هتافات التكبير والتهليل مع الإعلان الرسمي عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، في خطوة ويؤمل أن تكون بداية نهاية حربٍ دموية استمرت 734 يومًا وأنهكت كل بيت فلسطيني ولكنها فشلت في كسر إرادة الشعب ومقاومته.
قبل ساعات من الإعلان، وكما جرت العادة مع كل جولة مفاوضات حاسمة، سرت الشائعات التي تبشر بالهدنة فعلت التصفيرات والتكبيرات، بين النازحين غربي خانيونس وغيرها من المناطق التي تؤوي نازحين، قبل أن تهدأ بانتظار الإعلان الرسمي.
الإعلان الرسمي
وما إن نشرت حركة حماس بيانها الرسمي بالتوصل إلى الاتفاق، وتلاه إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تأكيدًا له، حتى انفجرت موجة فرح عفوية اجتاحت الأحياء المدمرة ومخيمات النزوح، ارتفعت فيها التكبيرات، وتعانق الناس وسط الدموع والزغاريد.
في مواصي خانيونس، خرجت أم أحمد وهي نازحة من مدينة غزة، من خيمتها وهي تردد بصوت مرتجف “الحمد لله… يمكن نرجع على بيتنا”، بينما أخذ أطفال يركضون بين الخيام مرددين “هدنة، هدنة”، في مشهد نادر بعد عامين من الخوف والجوع.
يقول أحمد، وهو أب لخمسة أطفال نزحوا منذ أشهر: “ما بنصدق، بدنا نعيش، تعبنا من أصوات الطائرات والدمار”.
وفي مخيم خانيونس، حيث الدمار يملأ الشوارع، تحوّلت لحظة الإعلان إلى ما يشبه عيدًا شعبيا. حمل المواطنون والصحفيون زميلهم إبراهيم قنن مراسل فضائية الغد على الأكتاف وهم يرددون هتافات الفرح بالتوصل لاتفاق، في مشهد رمزي لفرحٍ طال انتظاره.
محمد شراب الذي فقد منزله خلال العدوان يقول: “هذا الفرح ثمرة الصمود، نحن الذين أفشلنا مخططات الاحتلال بالتهجير، وبقينا رغم الجوع والموت”.
في دير البلح وسط القطاع، لم يختلف المشهد، فقد انطلقت تجمعات عفوية ترددت خلالها هتافات التكبير وعمت أجواء الفرح.
يقول الشاب مؤمن الحداد: “شعورنا لا يوصف، احتفلنا بالهدنة مرتين قبل ذلك، لكننا نأمل أن هذه المرة مختلفة وأن الحرب انتهت بالفعل بلا عودة”.
فرحة في غزة
أجواء الفرحة امتدت إلى مدينة غزة، التي كانت عرضة لأوسع حملة استهداف إسرائيلية منذ 11 أغسطس الماضي في إطار محاولة لتدمير المدينة وتفرغها من سكانها، الذين أبى نحو 400 ألف منهم إلا الصمود فيها ورفض التهجير.
وتجمّع المئات في تظاهرات عفوية بين المنازل المدمرة وخيام النزوح وسط هتافات تكبير واحتضان لبعضهم، بهذه الخطوة التي تحمي مدينتهم وترسخ بقاءهم فيها الذي تمسكوا فيه مهما كانت التضحيات.
تحية المقاومة وصمودها
ورغم الأهوال التي عاشها الغزيون على مدار أكثر من عامين، لم يترددوا في تحية المقاومة ورجالها الأبطال الذين صمدوا وقدموا تضحيات جليلة، وبقوا يقاتلوا من وسط الركام حتى اللحظة الأخيرة ورفضوا أن يرفعوا الراية البيضاء حتى رضخ الاحتلال للاتفاق.
خالد عبد الرؤوف، يقول: في هذه اللحظات نستذكر تضحيات الأبطال المقاومين، ونوجه لهم التحية الذين بقوا يقاتلون رغم الخذلان، لا ضيع الله تعبكم، ولا تضحيات شعبنا”.
ورغم أن الاتفاق لا يعني نهاية المعاناة بالكامل، فإن الغزيين يرونه خطوة أولى نحو استعادة أنفاسهم بعد حربٍ أودت بحياة أكثر من 67 ألف فلسطيني وأصابت أزيد من 169 ألفًا، ودمّرت معظم المنازل والبنية التحتية للقطاع، بما في ذلك المستشفيات والمدارس وشبكات المياه.
قالت أم وائل من حي الشجاعية: “صبرنا كثيرا، بدنا نعيش بكرامة، ونبني من جديد، الحرب خلّت فينا وجع ما بينتسي، بس لازم نكون يد وحدة”.
الرسالة الأوضح في هذا اليوم أن الشعب الفلسطيني ومقاومته هم من فرض هذا الاتفاق، بصموده لا بتنازلات سياسية، فبعد عامين من الإبادة والتجويع والحصار، خرج من تحت الركام يعلن أن الحياة أقوى من الموت، وأنه أفشل مخططات التهجير التي راهنت على كسره واقتلاعه من أرضه.
بين أصوات التكبير ودموع الفرح، بدت غزة فجر اليوم كمدينة تنهض من تحت الرماد، والناس، رغم جراحهم، يتحدثون عن الأمل والغد، عن إعادة الإعمار، عن لمّ الشمل، عن أملٍ طال انتظاره، صنعوه هم، بدمهم وصمودهم.