آخر الأخبار

يا ربّ استجب للناس

1 (1)

أيهم السهلي

عامان على الحرب، والموت يعيش في غزة، والحرب تقتل آلاف الناس، وتطحن أجساد الأطفال، وتصهر لحم الباقي من البلاد والعباد.

عامان، وتاريخ القتل يتجدّد في بقعة صغيرة من العالم، ويُري سكان الأرض معنى أن يباد شعب، معنى أن يُسحق مكان، ومعنى أن يقف العالم مستسلماً للقتل وللحرب. كأن يحدث هذا الذي يحدث في غزة، يوماً من الأيام في أيّ مكان من العالم الفقير، الذي أُطلق عليه طويلاً «العالم الثالث». وإن حدث في مكان ما من العالم الغني، فللإخضاع لا للإفناء. هذه الفوارق بين الحروب، وبين العوالم في «العالم» هي التي أسّست لعامين من القتل المستمر، ولسبعة عقود من تشريد شعب واحتلال أرضه.

عامان على الحرب، سئم فيهما الله من أرضه ومن عباده، كره أن يكون هؤلاء من روحه، وبِئْسَ من يعدّون أن القتلة يقاتلون ويقتلون باسمه.

غزة تُذبح وحدها، ولم تستسلم، لكنها ترفع أيدي أطفالها إلى الله طالبة منه النجاة، وأن يكون العالم أرقّ مما كان قبل عامين، فلربما إن استمرت المقتلة، يتحرك ليوقفها، أو يخفّف من ضحاياها.

فيا أَلله لو أنّك تستجيب لطلب المقتولين في غزة، الذين يقولون في الصباح والمساء وقبل أن تصيب رأس أحدهم القذيفة، الحمد لله، وبعد أن تصيبه وتقتله، يقول الحمد لله. وأنا مثلهم أقول الحمد لله.

عامان على الحرب، ولم تمت غزة، «بعينيها تقاتل»، وبروحها تقاتل، وباسم الكل تقاتل، ولا أحد يستحقّ منها كل هذا القتال، وهي تستحقّ من الكل كل شيء. هذه الغزة، المكان الذي يغيّر تاريخ القضية الفلسطينية، ويغيّر المنطقة، يريد أن يصرخ ولو مرة، صرخة الألم، صرخة الحزن، صرخة التعب، صرخة العتب على أهله وناسه وخلّانه. هذه الغزة، لمّا تتوقف الحرب، على الناس، كل الناس، أن تدفع من أجل عيون أطفالها دمعاً وحباً ومالاً، وأن تبذل من أجلها ما لم تبذله من أجل بيوتها. هذه الغزة حِملها ثقيل، تحمل كل العالم، وآن أوانها أن تُحمل على أكفّ الراحة.

غزة بعد عامين على الحرب، عمّقت مفهوم الحق، كما عمّقت مفهوم الباطل. وجعلت من صوت دمائها صوتاً يتردّد في التاريخ بلا انقطاع. هذا صوت حق، صوت أناس قتلتهم إسرائيل لأنهم فلسطينيون من سكان غزة. ما حملوا السلاح، ولا قتلوا أحداً. ناموا في بيوتهم، فباتوا في الخيام مشرّدين، واستيقظوا يوماً فكان مأواهم العراء. هؤلاء الذين مات منهم الآلاف، وهم على أرضهم، يخوضون مع باقي شعبهم في فلسطين وخارجها رحلة نحو آخر النفق الذي يضيء. لكن حتى يتمكن هؤلاء من الوصول، لا بد من تضميد جراح الجسد الفلسطيني النازف من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه.

أما الذين قاتلوا منذ أن اندلعت الحرب، والذين قاتلوا من قبلهم بالنار والبارود، فقادوا خيارهم، وقالوا كلمتهم من أجل الحرية، حرية الأرض والإنسان. وكانوا مثل أقرانهم، يناضلون من أجل بلادهم، ومن أجل شعوبهم. وكل هؤلاء في أنحاء القهر، ومنها فلسطين، مناضلون من أجل حرية الإنسان، كل إنسان على وجه الأرض. والقتلة كذلك، يشبهون بعضهم في كل مكان وزمان، سواء كانوا احتلالاً كما في فلسطين، أو ديكتاتوريات حاكمة باسم دول الاحتلال العالمي.

عامان على الحرب، عامان على غزة، وعامان جعلا الأحياء في هذا الكوكب يكبرون أكثر، ويشعرون بأن الحياة لن تكون حياة، وهناك الذين يُقتّلون على بعد متر نراهم في شاشة لا تتوقف عن نقل المأساة. عامان غيّرا فهم بعض العالم الكاذب للحق والحقيقة، وجعلا بعض أوروبا وأميركا يخرج عن بكرة أبيه لينتصر لغزة وفلسطين، وضمنياً ليعتذر هذا البعض عن ماضٍ استعماري مستمر لبلاده، لم يتوقف. عامان جعلا بعض العالم يقرأ تاريخ بلاده بنظرة مغايرة، نظرة يرى فيها ما فعل أجداده بشعوب البلاد المقهورة.

عامان، ظل بعض الناس يكذبون بأن «إسرائيل ترشّ علينا ماء الورد من الجو» ويقولون: «ما أجمل هذا المنظر…» هؤلاء بيننا، وحولنا، وفي العالم أجمع… هؤلاء ليسوا من البشر. وفي غزة وكل فلسطين إنسانية تمتد من أول من صرخ في التاريخ حرية، إلى آخر واحد في التاريخ سيرفع راية الحرية.

* كاتب فلسطيني

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة