في ظل تصاعد الجهود الإقليمية والدولية ونجاحها أخيرا في الوصول إلى اتفاق في قطاع غزة، بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وسط أجواء من الترقب والحذر.
وبينما رحّب العديد من الفاعلين الدوليين، ودولا عربية وإسلامية بهذه الخطوة، كفرصة لالتقاط الأنفاس وتخفيف المعاناة الإنسانية في القطاع، يبقى السؤال الأهم: هل يُمكن لهذا الهدوء أن يصمد؟ وما هي فرص نجاح مراحله المختلفة؟ وهل يمكن لحرب الإبادة أن تستعر مجدداً؟
وفي هذا التقرير نغوص في تحليل فرص نجاح مراحل الاتفاق وعوامل استمراره أو فشله، إضافة لاستقراء إمكانية عودة الحرب بشكلها الأول كحرب إبادة شاملة، من خلال قراءة تحليلية مع اثنين من الكتاب والمحللين الفلسطينيين.
مراحل الاتفاق وآفاق الاستمرار
الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق، استبعد أن تشوب أي شائبة مسار تنفيذ المرحلة الأولى من مراحل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، رغم التعنت الإسرائيلي، ومنع إخراج عدد من الأسرى الذين طالبت بهم المقاومة، معللاً ذلك بأن نجاح هذه المرحلة مصلحة فلسطينية وإسرائيلية وأيضا مصلحة للوسطاء.
وفي ذات الوقت استبعد “القيق”، في حديث خاص مع “المركز الفلسطيني للإعلام” أن تتم المرحلة الثانية من الاتفاق، لكنه استدرك بأن ذلك لا يعني عودة الحرب، مبيناً أن هذه المرحلة ستقع تحت طائلة النقاشات المطولة بعيدة الأمد، وكأنها مرحلة من مراحل الحروب السابقة لكن بشكل أوسع.
وأوضح أن الولوج إلى التفاصيل خلال المرحلة الثانية ستكون عملية بطيئة، وقال:” إذا تم الذهاب إليها بسرعة فهذا يعني أن الفلسطينيين سيذهبون إلى هيئة فلسطينية تحكم قطاع غزة، حسب بيانات ورؤية المقاومة وهذا يخالف رؤية ومشروع ترمب ونتنياهو، ما يعني العودة إلى مرحلة كسر العظام وهذا ما لا يريده أي طرف من الأطراف”.
ولكل ما سبق فإن “القيق” يعتقد أن المرحلة الثانية ستكون طويلة ومعتقدة ومتدرجة، “إلا إذا انقلب نتنياهو على كل شيء وعاد للحرب ومخططات التهجير”، مبيناً أن هذا السيناريو وارد في عقلية نتنياهو لكن يكبحه دخول أطراف أخرى على خط التفاوض وتحمل المسؤولية مثل الدول العربية والإسلامية الثمانية التي وقعت على بيان الترحيب بموقف حركة “حماس” من خطة ترمب وعلى رأسهم تركيا.
وزاد في تبرير استبعاده لمثل هذا السيناريو بانخراط دول غربية أوروبية في الملف، إضافة إلى انتهاء المبرر الإسرائيلي لاستمرار الحرب بعد تسليم المقاومة للجنود الأسرى لديها في المرحلة الأولى من الاتفاق.
وشدد أنه بات من الصعوبة العودة للحرب لأن ملف غزة أصبح ملفا دولياً وهذا أمر خطير بالنسبة لنتنياهو إلا إذا جن جنونه ولم يحسب حسابا لكل ذلك، وفق تعبيره.
ولم يستبعد “القيق”، ذهاب نتنياهو وجيش الاحتلال الإسرائيلي ناحية تنفيذ عمليات قصف ليست مكثفة أو يومية في قطاع غزة، لإرسال رسائل أننا هنا ومن باب إهانة الفلسطينيين.
ويتوقع “القيق”، أن يفتح نتنياهو جبهة جديدة في المنطقة، مؤكداً “أن هذا وارد وبشدة”، إضافة إلى ضمه للضفة، خاصة أن مؤتمر شرم الشيخ لم يكن من أجل السلام بين الاحتلال والفلسطينيين بل بين الاحتلال وبين العرب.
وشدد “القيق”، أنه بدون حوار فلسطيني فإنه سيتم الاستفراد بالضفة المحتلة وضمها، والتحكم بآلية الحياة في غزة، وبين أن ما كان اختياراً بالأمس أضحى اليوم إجبارياً، وهو المصالحة الفلسطينية والوحدة الوطنية.
ودعا “القيق” إلى إجراء انتخابات وحتى استفتاء عام للمسار القادم من أجل حماية القضية الفلسطينية، ووضع حد لكل من يريد أن يتدخل دوليا في القرار والشأن الفلسطيني.
لا عودة للحرب.. ولكن
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون، إن الاحتلال الإسرائيلي أُرغم في على وقف الحرب ووقف سياسة الإبادة التي مارسها في قطاع غزة، “لكنه سيظل يبحث عن ذرائع جديدة للعودة إلى العدوان كلما سنحت له الفرصة”.
ويتفق “المدهون” مع ضيفنا “القيق: بأن الحرب بشكلها السابق “حرب الإبادة والاجتياح والتدمير والتهجير” قد انتهت، ولن تعود بهذا الشكل مجددًا.
ويتفق مع “القيق” مرة أخرى، معتقداً أن المرحلة المقبلة ستشهد، على الأرجح، تصعيدًا من نوع آخر، يستهدف حركة حماس وكتائب القسام تحديدًا، عبر محاولات أمنية وسياسية وإعلامية مكثفة للنيل من حضورها وتأثيرها.
ويرى “المدهون”، في حديث خاص مع “المركز الفلسطيني للإعلام” أن المرحلة القادمة معقدة وصعبة، وتتطلب عملًا فلسطينيًا منظمًا ومسؤولًا، يهدف إلى منع عودة الحرب بكل أشكالها.
وشدد على ضرورة التنسيق الفلسطيني الجاد مع الوسطاء، وخاصة مصر وتركيا وقطر، من أجل تفعيل دورهم في كبح أي نية إسرائيلية للعدوان على غزة.
ويعتقد “المدهون” أن المشهد الإقليمي والدولي لا يزال متشابكًا، وأن السيناريوهات مفتوحة على أكثر من احتمال، خاصة في ظل تقلب الموقف الأمريكي وخضوع لمصالح متغيرة وتحالفات متبدلة، في غياب ضغط دولي وإقليمي حقيقي على واشنطن يلزمها بلجم الاحتلال عن التصعيد.
ختاما فما هو ثابت ومؤكد، أن المرحلة التي تلي المرحلة الأولى من الاتفاق ستكون صعبة وشائكة ومعقدة، وقد تشهد تطورات ليست في مشهد غزة وفلسطين فحسب، بل قد يعود الأمر ويتمدد نحو جزء آخر من الإقليم، ما يوجب على الفلسطينيين توطين أنفسهم لمعارك مختلفة، ليس شرطا أن تكون معارك عسكرية، وهي بحاجة لرص الصفوف وتوحيد الكلمة، وثبات الموقف الجمعي الفلسطيني.
اقرأ المزيد عبر المركز الفلسطيني للإعلام:
https://palinfo.com/news/2025/10/13/977881/