تكتظ شوارع غزة بعائلات بلا مأوى، وأطفال ينامون فوق بقايا حجارة مهدّمة، وأمهات يلففن أجساد صغارهن بقطع قماش رقيقة في محاولة يائسة لمقاومة بردٍ قادم من كل اتجاه.
في مخيم دير البلح، يجلس أبو أحمد سعد قرب نار صغيرة أشعلها من خشب النوافذ المكسورة، ويقول: “منذ أسابيع ونحن ننام في الشارع. وعدونا بخيام وببطانيات… لكن شيئًا لم يصل. لا أحد يسمعنا”.
زوجته أم أحمد تحتضن طفلها الصغير المريض، وتضيف بصوت متهدج: “كل ليلة أخاف عليه من البرد. حرارته ترتفع وما عندي دواء. قلت لهم: بس أريد خيمة… بس خيمة!”
رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي نصّ على إدخال 600 شاحنة مساعدات يوميًا إلى القطاع، تؤكد وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن هذا الرقم لم يتحقق.
يقول عدنان أبو حسنة، المتحدث باسم الأونروا: “لم تصل الكميات المتفق عليها من المساعدات. نحن نتحدث عن مئات الآلاف من الناس بلا خيام، بلا دواء، بلا طعام كافٍ. مواد الإيواء والإمدادات الشتوية موجودة في مستودعاتنا في الأردن ومصر، لكنها ممنوعة من الدخول”.
في خان يونس، يصطف عشرات الرجال والنساء في طابور طويل أمام شاحنة صغيرة توزّع الخبز والماء. يقول أبو ناصر، أحد النازحين من الشجاعية: “نقف ساعات طويلة من أجل ربطة خبز أو جالون ماء. الوضع لا يُحتمل. الأطفال يبكون من الجوع، ونحن عاجزون”.
على الجانب الآخر، تحاول سمر، متطوعة شابة في إحدى الجمعيات المحلية، توزيع البطانيات النادرة التي وصلت قبل أيام. تقول: “الناس لا يريدون سوى شيء يحميهم من المطر. نحاول جاهدين أن نساعد، لكن ما بأيدينا قليل جدًا. أكثر ما يؤلم هو أن ترى كبار السن يمدّون أيديهم طلبًا لغطاء أو قطعة خبز”.
بينما يعاني السكان من البرد والجوع، تتزايد التعقيدات السياسية التي تعرقل وصول المساعدات. إذ أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أثناء زيارته لإسرائيل، أن بلاده “لن تسمح بعودة الأونروا للعمل في قطاع غزة”، متهمًا الوكالة بالتحول إلى جهاز تابع لحماس.
وردّ أبو حسنة: “هذا الموقف ليس جديدًا. الأونروا منظمة أممية بتفويض واضح لخدمة اللاجئين الفلسطينيين. محكمة العدل الدولية أكدت حقنا في العمل داخل القطاع، وألزمت إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات”.
وأضاف: “عدم فتح معبري زيكيم وإيريز عطّل إدخال الشاحنات، مما يجعل الأزمة الإنسانية تتعمق كل يوم”.
في شوارع خانيونس، يلعب آدم، طفل في التاسعة، بحجر صغير، فيما والدته تراقب السماء القاتمة. تقول بصوت خافت: “نحن لا نريد شيئًا… فقط خيمة تلمنا من المطر”.
وفي بلدة الزوايدة، يقيم عشرات النازحين قرب المدرسة المدمّرة. يقول أبو العبد، مدرس سابق: “نحن لا نطلب رفاهية. فقط مأوى آمن، دواء للأطفال، وماء صالح للشرب. الشتاء بدأ، والبرد في غزة لا يرحم”.
بين أنين الجوع وصوت الريح، يختصر طفل صغير المشهد بكلمتين وهو يهمس لأمه: “ماما، متى نرجع بيتنا؟”. فتخفض رأسها بصمت، وكأنها تخشى الإجابة.
ووفق معطيات وثقها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن أقل من 1000 شاحنة مساعدات فقط دخلت القطاع منذ بدء سريان وقف إطلاق النار، من أصل 6600 شاحنة يفترض دخولها حتى 23 أكتوبر الجاري.
ويؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن آلاف الشاحنات لا تزال متكدسة على المعابر، تنتظر موافقة سلطات الاحتلال على إدخالها، منها نحو 6000 شاحنة للأونروا تحمل مواد غذائية تكفي سكان القطاع لمدة ستة أشهر، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الخيام ومستلزمات الإيواء، والتي تشتد الحاجة إليها مع اقتراب الشتاء، في ظل معاناة نحو 96% من سكان غزة من انعدام الأمن الغذائي.
ويشدد المركز على أن سكان القطاع يعانون من ظروف معيشية مأساوية، ولا سيما النازحون في الخيام ومراكز الإيواء، التي تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الكريمة.
ومع اقتراب الشتاء، يتزايد الخوف من كارثة إنسانية جديدة في غزة، حيث لا مأوى ولا دفء، وحيث أصبح انتظار شاحنة المساعدات أشبه بانتظار معجزة في مدينة أنهكها الحصار والدمار.