آخر الأخبار

ما هكذا تورد الإبل يا فصائل

894d6a29-a5a7-4272-8294-f1701a1f30d9

حمزة البشتاوي

يتفهّم الفلسطينيون وغيرهم من الناس ما جاء في بيان الفصائل الفلسطينية عقب اجتماعهم في القاهرة قبل أيام، عن وحدة الموقف والتوجه المشترك لإنجاز توافق وطني فلسطيني حول الملفات والقضايا كافة، انطلاقاً من هدف أساسي، وهو وقف الحرب واستمرار وقف إطلاق النار، وترتيبات المرحلة الثانية في خطة ترامب المتعلقة بإدارة قطاع غزة، ومسألة وجود قوات أممية، وانسحاب ثانٍ لقوات الاحتلال ورفع الحصار وفتح المعابر، خاصة معبر رفح وبدء عملية الإعمار.

لكن ما لا يمكن تفهّمه هو تقدير هذه الفصائل وفي بيان رسمي لجهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشريك المباشر والأساسي في حرب الإبادة والعدوان وفقاً لما يصرح به هو وأعضاء إدارته، فهل يستحق ترامب ثناء الفصائل وتقديرها التي ثمّنت قراره بوقف التحرك تجاه ما سمّته مصادقة برلمان الاحتلال بالقراءة التمهيدية على قانون «تطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية».

إنها لمن المفارقات العجيبة، أن تصدر فصائل فلسطينية بيان تقدير وشكر للرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي ارتبط اسمه بالوعي الفلسطيني كصاحب سجل أسود بصفقة القرن والاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال، والدعم اللامحدود لحرب الإبادة والتجويع ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والاعتداءات المستمرة على الضفة الغربية ولبنان.

إن الموقف الأخلاقي والسياسي يقتضي عدم توجيه التقدير والشكر والثناء لرئيس يسهم في استمرار الاحتلال، وهو معروف بالصلف والعنجهية. وهذا الثناء الذي أوردته الفصائل في بيانها الصادر عن اجتماعها في القاهرة قد لا يُفهم باعتباره مجاملة، بل إنه يُقرأ بوصفه تحول في الخطاب السياسي للفصائل الفلسطينية المعنية الآن بضبط لغتها السياسية في هذه المرحلة التي تحتاج إلى الكثير من الوضوح في ظل مواسم الخداع السياسي على المستوى الدولي والأقليمي.

والشكر والتقدير المثير للدهشة والحزن ليس كلمة عابرة، بل موقف يشير إلى خلل في الخطاب السياسي، كونه يصدم الوعي ويجرح الذاكرة، لأن التنازل في اللغة السياسية مهما كان بسيطاً فإنه يفتح الباب أمام تأويلات تُضعف الموقف الوطني العام.

ويظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم بأنه الأكثر حرصاً على كيان الاحتلال، حتى أكثر من بنيامين نتنياهو، الذي يدرك بأن مشروع الهيمنة والسيطرة والتسلط الأميركي في عهد ترامب بلغ مستويات خطيرة، وسط تحالف مركّب مع مجتمع صناعي عسكري لا حدود لجشعه وأطماعه. وفي صلب هذا المشروع تهدف سياسة ترامب إلى ضمان استقرار كيان الاحتلال والحفاظ عليه كقاعدة متقدمة ونقطة ارتكاز للمشروع الأميركي الذي يستهدف فلسطين والمنطقة.

لقد كان المتوقع من الفصائل في بياناتها أن تعود إلى أصل المعنى، حيث الكلمات عهد وضوء، وليست مناورات في دهاليز السياسة، كما كان يمكن لها ومن باب الشكر والثناء، أن تشكر الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو الذي قطع العلاقات مع كيان الاحتلال، ودعا إلى تشكيل جيش دولي لتحرير فلسطين بدل توجيه الشكر لترامب الذي جاء في غير موضعه ويدفعنا للقول: الإبل لا تُسقى يا فصائل من ماء مالح اسمه دونالد ترامب.

* كاتب فلسطيني

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة