آخر الأخبار

الاحتلال يوسّع هامش النار .. خروقات منظمة لفرض معادلة نار جديدة في غزة

1-28

غم أن خروقات الاحتلال الإسرائيلي لاتفاق وقف الحرب في قطاع غزة لم تتوقف منذ اللحظات الأولى لإبرامه، إلاّ أن موجة الغارات الأخيرة تدلل على أنها ليست حادثة عابرة، بل جزء من نهج متجذر يهدف إلى إبقاء القطاع في حالة اشتعال دائم، وتثبيت معادلات جديدة تُمكّن إسرائيل من العودة إلى القصف متى شاءت وبالذريعة التي تختلقها.

فقد نفذ جيش الاحتلال منذ مساء الثلاثاء وحتى صباح اليوم الأربعاء، عشرات الغارات على أرجاء قطاع غزة أسفرت عن نحو 70 شهيدًا وعشرات الإصابات، بحجة مقتل جندي صهيوني برصاص قناص في رفح الخاضعة لسيطرة إسرائيلية كاملة، وهو الحدث الذي نفت حركة حماس علاقتها به بشكل قاطع. ومع ذلك، سارعت تل أبيب إلى استخدامه كغطاء لاستئناف ضرباتها، في استمرار واضح لسياسة خرق اتفاق وقف إطلاق النار، الذي لم تلتزم به فعليًا منذ لحظة إعلانه.

إدامة حالة اللااستقرار

هذا التصعيد، كما يقول محللون، لا يأتي فقط كرد على حادثة أمنية محدودة، بل يعكس نية إسرائيلية مبيتة لإدامة حالة اللااستقرار، وتحويل غزة إلى ساحة اختبار دائمة لأسلحتها، ووسيلة لتجميع بنك أهداف جديد تحت عناوين مختلفة، على غرار ما تفعله في الجبهة اللبنانية.

يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين أن ما يجري هو “محاولة ممنهجة لتثبيت معادلات جديدة تسمح لإسرائيل بالتحرك العسكري من حين لآخر، دون الحاجة إلى إعلان حرب شاملة أو انهيار التهدئة رسميًا”.

ويضيف أن “نتنياهو يسعى إلى إبقاء حالة النار مشتعلة بالحد الأدنى، بحيث تبقى غزة تحت الضغط المستمر، وتظل المقاومة في حالة استنزاف ميداني ونفسي”.

وقبل موجة القصف الأخيرة، وثق المكتب الإعلامي الحكومي أكثر من 125 خرقًا إسرائيليا أسفرت عن 94 شهيدًا و344 جريحًا منذ وقف الحرب في 10 أكتوبر الجاري.

مبررات وذرائع

ويشير مدير مركز رؤيا للتنمية السياسية أحمد العطاونة إلى أن هذه الضربات “تندرج ضمن سياسة إسرائيلية واضحة تقوم على جمع المبررات والذرائع لتبرير استمرار العدوان، سواء عبر ملف الجثامين أو الحديث عن خروقات مزعومة من المقاومة”، وفق تعليقه له على الجزيرة تابعه المركز الفلسطيني للإعلام.

ويضيف أن “إسرائيل تستخدم هذا الملف الإنساني كسلاح سياسي، لتغطية فشلها في إنجاز تبادل حقيقي، وتحاول من خلاله تحويل الاهتمام الدولي من جرائم الإبادة التي ارتكبتها إلى تفاصيل تقنية تتعلق بالأسري والجثامين”.

ويؤكد العطاونة أن “المشكلة ليست في الحدث الأخير بل في المنهج”، موضحًا أن إسرائيل تحاول اليوم إعادة تعريف مفهوم وقف إطلاق النار بما يخدم مصالحها، بحيث تبقي لنفسها حق الضرب والاغتيال متى شاءت، مع تحميل المقاومة مسؤولية أي تصعيد لاحق.

إدارة الصراع

من جانبه، يرى الباحث الأميركي جيمس روبنز من المجلس الأميركي للسياسة الخارجية أن “المسألة تتعلق بإدارة الصراع أكثر من إنهائه”، موضحًا أن “الولايات المتحدة تتعامل مع التهدئة في غزة كفترة تنظيم مؤقتة لا كمرحلة سلام دائم”.

ويشير إلى أن “إسرائيل تستغل هذه المرونة الأميركية لتوسيع هامش حركتها العسكرية دون أن تُتهم رسميًا بخرق الاتفاق”.

ويبدو أن الهدف الإسرائيلي، وفق مراقبين، هو تكريس معادلة جديدة تجعل غزة في وضع أشبه بـ”المنطقة الرمادية”، لا حرب ولا تهدئة، بما يتيح لإسرائيل تنفيذ ضربات محدودة، وجمع معلومات استخبارية، واستهداف قيادات أو بنى تحتية متى رأت الفرصة مواتية، مستفيدة من صمت دولي يبرر أفعالها بذريعة الأمن والدفاع عن النفس.

موقف حماس

في المقابل، حركة حماس التي أكدت أنه لا علاقة لها بحادث إطلاق النار في رفح، أكدت التزامها باتفاق وقف إطلاق النار، مشددة على أن القصف الإجرامي الذي نفّذه جيش الاحتلال الفاشي على مناطق من قطاع غزة، يمثّل انتهاكاً صارخاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه في شرم الشيخ برعاية الرئيس الأمريكي ترامب.

وقالت حماس في بيان لها: إن هذا الهجوم الإرهابي هو امتدادٌ لسلسة الخروقات التي تم ارتكابها خلال الأيام الماضية، من اعتداءات أسفرت عن سقوط شهداء وجرحى، واستمرار إغلاق معبر رفح، ما يؤكّد الإصرار على انتهاك بنود الاتفاق ومحاولة إفشاله.

وطالبت الوسطاء الضامنين للاتفاق بالتحرّك الفوري للضغط على الاحتلال، وكبح تصعيده الوحشي ضد المدنيين في قطاع غزة، ووقف انتهاكاته الخطيرة لاتفاق وقف إطلاق النار، وإلزامه ببنوده كافة.

بهذا السلوك، كما يرى المحللون، تواصل إسرائيل توظيف ذريعة الأمن لتقويض أي فرصة لتهدئة حقيقية، في وقت تبدو فيه واشنطن منشغلة بإدارة الصراع لا بإنهائه، ما يمنح تل أبيب مساحة أوسع لتكريس واقع الإبادة التدريجية، وتحويل غزة إلى ساحة مفتوحة للاختبار والضغط المستمر.

 

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة