آخر الأخبار

سلام الإفناء؟

1 (1)

أيهم السهلي

وُقّع الاتفاق الذي من المفترض أن يوقف الحرب على قطاع غزة، من دون أن يعني بالضرورة – إذا ما تحقَّقت مراحله فعليّاً على أرض الواقع -، وقْف نزيف الشعب الفلسطيني، تهجيراً، أو قتلاً، أو دفعاً نحو «السلام». وعندما يتحدّث الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن «السلام»، فهو لا يقصد ذاك الذي يتوق إليه الفلسطينيون؛ ذلك أنّ مدلولات المفردة تختلف عندما يكون الفرد فلسطينيّاً. فتجربة الفلسطينيين مع «السلام» لم تكن فقط عبر العمل المسلّح؛ بل هم جرّبوا حظّهم في السياسة، فكان التوقيع على «اتفاقيات أوسلو» لعام 1993، واعتراف «منظمة التحرير الفلسطينية»، بإسرائيل القائمة على معظم أراضي فلسطين.

وهي نفسها الاتفاقيات التي مُنح، بفعلها، كلّ من رئيس منظمة التحرير الشهيد ياسر عرفات، ورئيس حكومة الاحتلال الأسبق إسحاق رابين، ووزير خارجيته شمعون بيريز، جائزة «نوبل» للسلام، في تشرين الأول 1994، «لجهودهم في تحقيق السلام في الشرق الأوسط». وبعد 31 عاماً، يتأمّل ترامب في أن تكون الجائزة من نصيبه، لمساهماته، كما يقول، في «إحلال السلام» في المنطقة، ووقف حروب في غير مكان، وهو الذي تحدّث مراراً عن أحقّيته بالجائزة، قائلاً، أخيراً، إنّ عدم منحه إيّاها سيمثّل «إهانةً» للولايات المتحدة.

بالعودة إلى «أوسلو»، فهو كان اتفاق استسلام، قَبِله الفلسطينيون في لحظة سياسية قاهرة وصعبة، ولحظة تخلٍّ عربي وإسلامي وانفضاض عن الفلسطينيين وقضيّتهم، ورضوخ للغرب. دارت الأشهر والسنوات بعد توقيع الاتفاق، وعادت «منظمة التحرير» إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، لثبتت أنّ إسرائيل ترفض حتى الاستسلام، وتريد ما هو أكثر؛ تريد الإفناء السياسي للقضية، وإفناء الفلسطينيين. وهي سعت بعد الاتفاق، كما قبله، إلى قتل الوجود الفلسطيني المادي والمعنوي. صحيح أنها لم تنجح إلى الآن، لكنها لم تستسلم، وما الحرب التي استمرّت في غزة لعامين، سوى واحدة من محاولاتها. فالإبادة، لم تكن فقط للفلسطينيين في غزة، بل محاولة لسحق عقولهم وقلوبهم، وأملهم في التحرير والعودة، والحقّ في الوجود الطبيعي كسائر البشر.

كلما ذكرت فلسطين أو إسرائيل في مكان ما في العالم، فإن أحداً يعيد القصة إلى بدايتها

وإسرائيل التي هاجمت، في أثناء العامَين الماضيَين، لبنان وسوريا واليمن وإيران، معنيّة أكثر بالفلسطينيين، لسبب رئيس، هو أنّ وجودها الفعلي العملاني قام على وجودهم؛ والشواهد على ذلك تزيد يوماً بعد يوم، ولا يمكن أن تمحى، خصوصاً وأنّ هذا الوجود ومحاولة الإفناء الأولى، لم يمرّ عليهما أكثر من 77 عاماً. وبالتالي، كلّما ذكرت فلسطين أو إسرائيل في مكان ما في العالم، فإنّ أحداً يعيد القصة إلى بدايتها، وهو ما حدث في أثناء الحرب الأخيرة على نطاق واسع. فمع امتلاء الشوارع في مدن العالم المختلفة، كان آلاف الأشخاص يبحثون عن أصل حكاية الصراع. ومع أنّ كثيرين يزوّرون الحقيقة، هناك آلاف المواقع ومئات المنصات التي تسرد ما حدث عام 1948، بعدما فقدت السردية السائدة مصداقيّتها، في ظلّ إيغال إسرائيل في دم الفلسطينيين، وعودة الفطرة الإنسانية الرافضة للقتل، لمزاحمة أي انحيازات أو أفكار أخرى مسبقة.

بتعبيراتها، أعلنت الفصائل الفلسطينية إنهاء الحرب على غزة، بقولها «بعد مفاوضات مسؤولة وجادّة خاضتها الحركة وفصائل المقاومة الفلسطينية»، توصّلت إلى «اتفاق يقضي بإنهاء الحرب على غزّة، وانسحاب الاحتلال منها، ودخول المساعدات، وتبادل الأسرى»، في حين اكتفت واشنطن وتل أبيب، بإعلان الاتفاق على «المرحلة الأولى»، أي «إطلاق سراح جميع الرهائن قريباً جدّاً، وسحب إسرائيل قواتها إلى خطّ متّفق عليه كخطوات أولى نحو سلام قوي ودائم». وربّما التعبير الأخير، أي «السلام القوي والدائم»، هو الأدقّ؛ لكنّ السؤال: سلام من أجل من؟ الواقع أنّ العملية الإسرائيلية – الغربية في إفناء الأمل الفلسطيني لم تنتهِ، لكنّ المزاج العالمي لم يَعُد يحتمل هذه الحرب، وهذا ما يمكن فهمه من قول ترامب لنتنياهو: «إن إسرائيل لا يمكنها أن تحارب العالم».

شارك على :

واتس أب
فيسبوك
تويتر
تيليغرام
لينكد إن
بين تريست
الأيميل
طباعة