موفق محادين
كاتب ومحلل سياسي أردني
تعرّضت القدس كما فلسطين كلها لافتراءات صهيونية طالت تاريخها وقاموسها الكنعاني العربي، في السياق المعروف للرواية الصهيونية التي سرقت تاريخ الشرق وثقافاته ونسبته لنفسها، وكانت حصة فلسطين الأكبر من هذه السرقة بالنظر إلى أهميتها الجغرافية بالنسبة للمصالح الإمبريالية البريطانية والأميركية، التي وقفت ولا تزال إلى جانب المشروع الصهيوني وجرائمه وسردياته.
في دحض الخرافات اليهودية حول القدس
تستند المعطيات التالية إلى دراسات وأبحاث:
– اليهود وخرافاتهم في القدس للدكتور عبد العزيز الخيّاط.
– القدس لا ترحل، من تحرير بكر أبو بكر وتقديم الدكتور حنا عيسى.
– القدس بالأرقام لمحمود عواد وزهير غنايم.
– العديد من المؤرخين اليهود كما سيرد لاحقاً.
1- فيما يخص الأسماء التي عُرفت بها القدس، فهي إما أسماء عربية أو يونانية ورومانية، ولا يوجد اسم يهودي واحد لها:
– يبوس، اسم قبيلة عربية.
– أورسالم (أورشليم)، اسم كنعاني عربي.
– هيروساليما، اسم يوناني.
– إيليا كابيتولينا، اسم روماني.
– بيت المقدس، اسم عربي إسلامي.
2- فيما يخص الهيكل المزعوم، فهو معبد روماني بناه الرومان خلال احتلالهم للمنطقة (يُشار كذلك إلى أنه معبد للإله الروماني القديم، جوبيتر).
أما بالنسبة لما يُعرف بحائط المبكى، فهو جزء من المبنى الروماني القديم الذي أدخل المسلمون عليه تعديلات واسعة وصار يُعرف بحائط البراق بعد حادثة الإسراء والمعراج، ويشكل الجزء الجنوبي من السور الغربي للمسجد الأقصى، ويؤكد المؤرخ والآثاري (الإسرائيلي) إسرائيل فنكلشتاين أنه لا يوجد أي سند علمي لما أورده العهد القديم بشأن ذلك، كما أن تقرير اللجنة الدولية حول أحداث البراق 1929 نفت المزاعم اليهودية حوله.
3- فيما يخص الأسماء التي تتعلق بداوود:
– برج أو قلعة داوود (قلعة القدس)، فقد عُرف عبر التاريخ باسمين: برج فصايل وهي أميرة نبطية، وبرج الناصر داوود (الملك الأيوبي الذي كان يحكم الكرك).
– وما يُقال عن مقام داوود، هو مقام لكنسية بيزنطية، تحولت في العهد الأيوبي إلى جامع.
– مسجد النبي داوود، فهو من اسمه عمارة إسلامية أقامها سليمان القانوني، وقد حوّلها اليهود بعد احتلال القدس إلى كنيس.
4- فيما يخص الأسماء التي تتعلق بسليمان:
– سور سليمان، نسبة إلى سليمان ابن السلطان سليم الأول.
– قبة سليمان واصطبلات سليمان، نسبة إلى سليمان بن عبد الملك الأموي.
– مغارة سليمان، وكانت تُعرف بمغارة الكتان.
– برك سليمان، نسبة إلى سليمان القانوني.
– كرسي سليمان، نسبة إلى سليمان بن عبد الملك والذي كان يجلس عليه عندما أخذ البيعة لنفسه.
5- بالنسبة إلى قبة يوسف وقبة موسى، فالأولى نسبة إلى السلطان يوسف بن أيوب (صلاح الدين الأيوبي)، والثانية نسبة إلى موسى بن بدر الدين الأيوبي وكان ناظراً للحرمين.
6- بالنسبة إلى العديد من المزاعم اليهودية الأخرى، مثل قبر أشلوم، فهو قبر روماني، ونفق حزقيا فهو في الأصل نفق عين سلوان وقد وُجدت على جدرانه كتابات بالكنعانية القديمة.
7- بالنسبة للعديد من الرموز والمفردات التي حاول اليهود تأصيلها كتراث يهودي، فهي إما كنعانية أو آرامية أو بابلية أو عربية، مثل:
– جبل صهيون، فصهيون كلمة عربية تعني الصهوة، أي قمة الجبل، وقد وُجد مقابل لها وبالاسم نفسه في اليمن القديم، كما يؤكد الباحث العراقي الراحل فاضل الربيعي.
– النجمة السداسية، وهي من تعبيرات الترميز الشرقي للنجمة عند بابل وعشتار وغيرها.. وقد تأخذ شكلاً سداسياً أو خماسياً
– الساميّة، وهو مصطلح غير علمي وغير تاريخي، أشاعه شيلسر بالضد من علوم الإناسة والانثروبولوجيا المعروفة في تصنيف الجماعات والسلالات الأولى، وفي كل الأحوال إذا تجاوزنا الاعتبارات العلمية بخصوصه وسلمنا بهذا المصطلح، فإن أهل فلسطين والعرب عموماً هم الساميّون، فيما يؤكد الباحث والآثاري والمؤرخ اليهودي، كوستلر، أن الغالبية الساحقة من الموجات اليهودية المتلاحقة التي دخلت فلسطين أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ولا سيما خلال فترة السلطان عبد الحميد الثاني، ينتسبون إلى قبائل الخزر، وهي قبائل تركية وثنية اعتنقت اليهودية أواخر القرن السابع الميلادي وأسست شكلاً من الدولة المتهودة بين بحر قزوين والقرم وشرق روسيا، قبل أن يطيحها المغول وأمراء روسيا في القرن العاشر، وتتشتت في كل أوروبا وتُعرف لاحقاً بالأشكيناز.
إلى ذلك، من المؤرخين والآثاريين اليهود الذين دحضوا الروايات الصهيونية السائدة حول القدس وفلسطين:
– إيلان بابيه، عشر خرافات عن “إسرائيل”.
– كيث وايتلام، اختلاق “إسرائيل” القديمة.
– “إسرائيل” فينكلشتاين، التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها.
– شلومو ساند، اختراع الشعب اليهودي.
– آرثر كوستر، القبيلة الثالثة عشرة.
سكّان القدس
بلغ عدد سكّان القدس عام 1596 حوالى 7500 عربي من المسلمين والمسيحيين، مقابل مئة يهودي فقط، وفي عام 1849 بلغ عدد السكان العرب حوالى 10 آلاف (بينهم 3500 مسيحي) مقابل 1790 يهودياً، وبلغ عدد السكان العرب عام 1918 حوالى 30 ألف عربي مقابل 10 آلاف يهودي، وبلغت نسبة ملكية العرب للأراضي في القدس القديمة ما قبل النكبة 99%، تراجعت بعد عدوان حزيران 1967 إلى 80% ثم تراجعت أكثر ولا تزال.
ويعود ارتفاع نسبة اليهود المحتلين في المدينة منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى ما كشف عنه الباحث اللبناني نجيب العازوري، الذي كان موظفاً في متصرفية القدس أواخر القرن التاسع عشر، من حيث فساد موظفي الإدارة العثمانية وخاصة في عهد المتصرف، كاظم بيك، وتواطؤ هؤلاء الموظفين مع مبعوثي الصندوق اليهودي (صندوق اكتشاف فلسطين) والحركة الصهيونية، إضافة إلى قانون الطابو العثماني الذي صدر تحت ضغط القناصل الأجانب وتضمّن سلسلة من الإجراءات الخطيرة مثل رفع الضرائب على الفلاحين الفلسطينيين وتسهيل مصادرة أراضيهم.
من تاريخ القدس
– نشأت القدس مع الكنعانيين عام 3000 قبل الميلاد، وعرفت بالاسم الكنعاني أور سالم (أورشليم) 1897 قبل الميلاد، وفق الألواح المصرية.
– كما كل المناطق التي عرفت لاحقاً بالهلال الخصيب وسوريا التاريخية الطبيعية، كانت القدس وفلسطين مسرحاً لصعود وهبوط العديد من الحضارات والممالك الشرقية والمصرية، وكانت القبائل الرعوية الجوابة التي أعلنت تهودها جزءاً من الجماعات التي جرى توظيفها كمرتزقة بين البلاط المصري وبلاط ممالك العراق القديم وسوريا والبلاط الفارسي، بما في ذلك اجتياح قسم من هذه القبائل لمناطق في فلسطين.
– بعد فترة من السيطرة اليونانية والدولة السلوقية، وبين العقد الأخير قبل الميلاد وحتى القرن السادس الميلادي، خضعت القدس كما سوريا الطبيعية للسيطرة الرومانية.
– في القدس وجوارها نشأت وتأسست الديانة المسيحية وظلت ملاحقة من روما لقرون عديدة.
– بعد إعلان روما تبني المسيحية أقيمت في القدس كنسية القيامة عام 335 ميلادي.
– خضعت القدس كما بقية المناطق للنفوذ الفارسي في منتصف القرن السابع.
– دخلت كغيرها في الفتح الإسلامي وارتبط اسمها بالعهدة العمرية التي طالب فيها بطريرك القدس، صفرونيوس، بألّا يدخل المدينة أي يهودي.
– في إطار الحروب الإقطاعية الأوروبية الداخلية، شهد العالم ما عرف بالحملات الصليبية على الشرق الإسلامي والأرثوذكس، وكانت القدس من أهداف هذه الحملات بذرائع القبر والكأس المقدّس.
– بعد أن تمكن المسلمون من العرب والكرد من طرد الحملات المذكورة وتحرير القدس إثر معركة حطين، أعاد الملك الكامل الأيوبي تسليم المدينة لهذه الحملات بقيادة فريدريك الكبير، قبل أن تتمكن حملة إسلامية من بلاد خوارزم وفارس من إعادة تحريرها بالتعاون مع ملك الكرك، الناصر داوود.
– سقطت القدس كغيرها من بلاد الشام ومصر تحت السيطرة العثمانية إثر معركة مرج دابق 1516.
– تحت ضغط القناصل الأجانب على السلطنة العثمانية وبتواطؤ وفساد موظفي الإدارة العثمانية في متصرفية القدس، وبالتزامن مع قانون الطابو العثماني، تمكنت الحركة الصهيونية من بناء العديد من المستوطنات حول المدينة.
– شهدت القدس عام 1929 أول ثورة فلاحية عربية فلسطينية ضد التحالف البريطاني الصهيوني ومحاولات اليهود احتلال حائط البراق.
– ظلت القدس مسرحا للقتال بين المقاومة الفلسطينية والعصابات الصهيونية، وأعلن عنها في قرار التقسيم 1947 كحالة خاصة تحت رعاية دولية، قبل أن تؤول إلى الوضع المعروف بعد حرب 1948 حين استولى الصهاينة على القسم الغربي منها، فيما تمكن المجاهدون الفلسطينيون والجيش الأردني من الحفاظ على القسم الشرقي منها.